روماف – رأي
الهزة الأرضية التي ضربت مناطق عديدة من سوريا وتركيا، وأغلب الضحايا من المدنيين ومعظمهم سوريون، زادت من معاناتهم فوق ما كانوا يعانون، هذه المأساة أظهرت من جديد أن السوريين ما زالوا وحيدين في مواجهة الصعاب، ومع هذا التكاتف السوري لأخيه السوري في هذه المحنة أثبتت أن ليس للشعب السوري حليف سوى بعضهم البعض، العربي والكوردي والعلوي والآشوري والدرزي، كلهم سوريون ولا يجب التفريق بينهم.
رغم أن هذه المأساة حدثُ جاء من الطبيعة، وحالة إنسانية بحتة بعيدة عما كان يروجونه منذ بداية الأزمة السورية الصلة بين السوري والإرهابي، لم نرَ أي بوادر للمساعدة إلا بعد فوات الأوان، أي بعد أن أظهر العالم الوجه الحقيقي البشع في التفريق بالإنسانية، فقط جاء بصيص أمل من جهة غير معرّف كدولة، وهو إقليم كوردستان، الذي قدَّم قافلة مؤلفة من سيارات إسعاف وآليات ثقيلة ومواد طبية ومواد غذائية ومعدات لوجستية، وهي الجهة الوحيدة التي سبقت المجتمع الدولي بالدخول إلى الشمال السوري ومناطق عفرين وجنديرس، حتى النظام السوري الذي يعتبر نفسه الأب الحنون حسب ادعاءاته لم يرف له جفن من هول الدمار الذي لحق بتلك المناطق، بل على العكس بدأ يتاجر بدماء السوريين كما فعله في السابق.
يلاحظ أنه مع كل مصاب يحلَّ بالسوريين، نظراتهم تتجه نحو الخارج أي نحو المجتمع الدولي كي يكون لهم العون ويد الأمان في محنهم، ولكنهم يصطدمون بحائط التفريق والنفاق والخداع، فمنذ بداية الأزمة السورية، وهم ينتظرون الأمل من المجتمع الدولي، والآن وهم تحت كارثة الزلزال أيضاً يأملون المساعدة ومد يد العون منهم، ولكن حتى في هذه الكارثة أيضا تتدخل السياسة وتلعب لعبتها دون الاكتراث إلى هول الفاجعة الإنسانية وآهات من هم تحت الأنقاض وهم يطلبون النجدة وإخراجهم إلى جانب الآلاف من المصابين جراء الزلزال وهم في العراء دون رعاية تذكر سوى بعض الإسعافات الأولية رغم أن جروح معظمهم خطيرة، وكذلك مَن نَجوا من الزلزال يلتحفون السماء غطاء لهم وأوراق الشجر غذاء لسد جوعهم، أحياء ومدن كاملة دُمرت بـ مَنْ فيها مِن ساكنيها. أمّا في الطرف المقابل الذي حدث فيه نفس الكارثة، استنفر العالم وأرسل المعدات والأجهزة والمساعدات، وكأنَّ الذين في سوريا ليسوا من فصيلة الإنسان وكأنَّ الإنسانية في نظرهم لها فروع، نعم لها فروع في نظرهم، الشعوب الفقيرة لا يعتبرونهم بشر بل عبيد وغلمان وعند الحاجة يطلبونهم وعند انتهائها يلقونهم إلى الهاوية.
فقط وكما قلنا في البداية، بصيص أمل جاء من جهة حتى الآن تُعتبر نصف دولة وبرعاية حكيمها، وهو إقليم كوردستان وحكيمها الرئيس مسعود البارزاني، الذي لا يتوانى في تقديم ما يمكن تقديمه من مساعدة لأيٍّ كان، وذلك يأتي من قناعته بالتسامح والمحبة والمساعدة من أجل الإنسانية التي يمكن الوصول إليها إن ابتعدنا عن السياسة والمصالح المرتبطة بها، أرسل قافلة إلى السوريين دون النظر إلى عرق ودين بل كانت نظرته نحو اعتبار الإنسانية واحدة وإخوة لا فرق بين سوري وتركي وعراقي وكوردي.
السياسة مهما علت شأنها في سوق المصالح الدولية يجب أن تتوقف عند الحالة الإنسانية، وخاصة عندما تكون مأساة بحجم ما تتعرض له المناطق السورية من كارثة زلزالية فاقت التصورات الإنسانية، كانت مأساة حقيقية فاقت كل المآسي التي حدثت في العالم، ليس لأنه لم تحصل مثل هكذا زلزال، بل لأن المأساة حصلت في منطقة تعتبر هشّة من حيث الإمكانيات ولأن المنطقة في الأساس كانت تعاني من مأساة الأزمة السورية المستمرّة منذ عقد وربع.
أكثر مشهد أثار وجداني ووجدان كل ضمير حي هو المرأة التي فارق روحها الجسد وفي نفس الوقت خرجت من جسدها روح جديدة، عندما وجد المنقذون امرأة حامل تحت الأنقاض مفارقة الحياة وبجانبها طفل ولد من جديد وما زال الحبل السري للطفل معلق بجسد أمه المتوفاة منذ عشر ساعات.
آه يا جسداً أبى الرحيل دون أن يُبقي أمانة في هذه الحياة، آه أيها الطفل، أي أمانة أنت، أمانة ثقيلة، توازي ثقل الجبال، في بحر هائج يجمع فاقدي الضمير والإنسانية، أيمكن أن تكون محرك الضمائر؟ آمل ذلك، رغم أنني فقدت الثقة بالضمير العالمي، أيمكن أن تكون أيها الطفل الرسالة التي عنوانها، أنا هنا لأذكركم أيها السوريين يا أهلي وأحبابي، لا فائدة من معاداة وكره بعضكم البعض، ليس لكم أحد سواكم، ضعوا أيديكم في أيدي بعض، ولا تلتفتوا إلى أحد، مَن لم يكن معكم في بداية معاناتكم لن يكون معكم في نهايته، لا يغرنكم شعاراتهم عن الإنسانية والديمقراطية وحقوق الإنسان، جميعها نفاق وكلام في الهواء للإيقاع بكم، لا تلتفتوا إلى بياعي الشعارات، هم يتاجرون بها لنهبكم وسلبكم حتى من ملابسكم، هذه الوصية عِبرة للسوريين جمعاء.
هذا المشهد يلخص مجمل معاناة السوريين ليس فقط في حدث الزلزال، بل على مدى عمر الأزمة السورية، بأن السوري يموت صحيح ولكن يخرج من جديد منتظراً المستقبل، والمشهد يُعبر عن إرادة السوري في البقاء والوصول إلى مستقبل مشرق.
القصص والمشاهد كثيرة، تدمع الفؤاد وتغص القلوب، أصوات تنادي من تحت الأنقاض، يا الله ما أصعب هذه الصور والمشاهد التي تقشعر لها الأبدان، كل ذلك والسياسة ما زالت مسيطرة على المشهد العام، ما زال الضمير العالمي صامت أمام هول الكارثة.
أعظم ما لم يتوقعه السوريون هو أن يتم التفريق حتى في هذه الفاجعة، وكأن الله يرشدنا أن لا معين لك سوى نفسك من بعد الله. منذ أكثر من اثني عشر عاماً والشعب السوري يتطلع إلى ما سيقدمه المجتمع الدولي لهم من العون والمساعدة وإخراجهم من هذه الأزمة، ونسي نفسه ولم يلتفت إلى حاله ولم يتضامن السوريون مع أنفسهم، وتخفيف المعاناة عن بعضهم البعض، بل السوريون فعلوا العكس الترقب للخارج واستغلال بعضهم البعض، واستمرّوا على تلك الأفكار العنصرية والشوفينية، الذي زاد الكره والتشتت بينهم هذا ما زاد أيضاً من تمدد الأيادي لـ “تأليب السوريين على بعضهم”، وكان لهم ذلك.
وعليه، إن القصص كثيرة والعِبر كثيرة، والنفاق في السياسة العالمية تجاه الإنسانية في سوريا فاق بشاعة كارثة الزلزال، لنعتبر من كل ذلك، وكأنَّ الله أيضاً أرشدنا من خلال هذه الكارثة، أن السوري ليس له سوى السوري، توجهوا إلى بعض ومد يد المساعدة لبعضكم، وخففوا عن بعضكم، لا يفيدكم التشتت والعناد، أخرجوا كلّ تلك الأفكار البالية والعفنة، لأنها من صنع سياسات النفاق والمراوغة، فلنكن يداً واحدة وقلباً واحداً، ولنبدأ من جديد نحو بناء مستقبل سوريتنا المشرق.