روماف – رأي
بقلم الجيولوجي : شريف علي
صبيحة الاثنين السادس من شهر شباط فبراير الجاري وعلى غير ما اعتاد عليه سكان المنطقة الغربية من كوردستان وجنوب تركيا و شمال سوريا من أن الهدم والتدمير والقتل يعقب الغارات الجوية وتحركات الدبابات والمدافع ، لكن هذه المرة كانت الواقعة أسرع من لمحة البصر ومصدرها ليس من الجو بل أعماق سحيقة وبفعل جزء يسير من قوة الطبيعة التي عصفت بالمنطقة وما عليها لتحولها خلال ثوان إلى تلال من ركام يدفن تحته عشرات الآلاف من البشر.
نوع الزلازل | العمق /كم |
الضخمة | 30-70 |
المتوسطة | 70 – 300 |
العميقة | 300 – 700 |
في هذه القراءة المقتضبة نحاول إلقاء بعضا من الضوء على هذه الحركة الخاطفة للقشرة الأرضية ” الزلزال”وقوتها التدميرية الهائلة ، حيث أشار مدير المعهد الفليبيني لعلم البراكين والزلازل ريناتو سوليدوم أن الزلازل التي تبلغ قوتها 7 درجات تمتلك طاقة تعادل نحو 32 قنبلة ذرية كتلك التي ضربت هيروشيما.رحسب ما سجلته مراكز الرصد الزلزالي في أنحاء مختلفة حول العالم فإن شدة الزلزال الذي تعرضت له جنوب تركيا وشمال سوريا صبيحة الأثنين 6 فبراير فقد تخطت حاجز الشدة التدميرية لتصل إلى 7,8 درجة على مقياس ريختر أي ما يعادل تفجير 60 مليون طن من مادة الـ TNT وهو ما صنفته هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية بأنه الزلزال الأعنف والأقوى الذي شهدته المنطقة منذ أكثر من مائة عام حسب المعايير المعتمدة عالميا حيث حددت
أجهزة الرصد بأن بؤرة الزلزال تقع على عمق 17.9 كم تحت سطح الأرض وهو أقل عمقا حتى من بؤر الزلازل الضخمة التي تتراوح عادة بين 30 الى 70 كم ، في حين كان المركز السطحي ( النقطة من سطح الأرض التي تقابل شاقوليا بؤرة الزلزال) كان على بعد 26 كيلومترا تقريبا شرقي مدينة مرش عند فالق (صدع) شرق الأناضول. وأطلق الزلزال موجات باتجاه الشمال الشرقي، مما تسبب في حدوث دمار في وسط تركيا وسوريا.
كيف حدث الزلزال المدمر:
معلوم أن القشرة الأرضية بما فيها تلك الواقعة تحت الغلاف المائي لسطح الكرة الأرضية وعلى أعماق سحيقة تعرضت لتصدعات وتشققات خلال ملايين السنين، لتقسم القشرة إلى أقسام سميت بالصفائح التي بدورها تباعدت عن بعضها في طبقاتها العلوية لتصل إلى ما هي عليه الآن من قارات وبحار ومحيطات مستقرة على صفائح معينة أهمها:
الصفيحة الأوراسية والصفيحة الإفريقية والصفيحة العربية و الامريكية الشمالية والجنوبية و الهندية وغيرها يفصل بينها الصدوع التي تتطور مع الزمن مسببة في انقسامات جديدة حتى ضمن الصفيحة الواحدة ، كما هو الحال بالنسبة للصفيحتين الأوراسية والعربية في شرق المتوسط ، حيث أن لزوجة غلاف الكرة الأرضية تحت تلك الصفائح تجعلها قابلة للحركة وبالتالي إمكانية تصادنها أو انزلاقها بجوار بعضها أو حتى انغماص إحداها تحت الأخرى مما يسبب حدوث ظواهر طبيعية كارثية ضخمة مثل الزلازل و بروز سلاسل جبلية واندفاعات بركانية وتوسع بحري هائل )تشكل البحر الأحمربين الصفيحتين العربية و الإفريقية )، وهذه بطبيعة الحال لها تأثيرات هدامة على المناطق التي تحدث فيها كما حصل مؤخرا في شرق المتوسط.وهي المنطقة الواقعة على نقطة تلاقي ثلاث صفائح قارية (العربية ، الأناضولية ،و الإفريقية )، حيث أدى إندفاع الصفيحة العربية بإتجاه الشمال وبمحاذاة صدع البحر الميت الممتد من خليج العقبة حتى خليج الأسكندرون، إلى تحرك صفيحة الأناضول والتي هي جزء غير مستقر من الصفيحة الأوراسية نحو الشرق بمحاذاة صدع شرق الأناضول، و إصطدامه بالصفيحة الأفريقية ،ما نتج عنه التفجير الهائل الذي قدر طاقته بقرابة طاقة تفجير 60 مليون طن من مادة TNT انتقلت على شكل موجات إهتزازية قوية عبر القشرة الأرضية لمسافات زادت عن الألف كيلومتر مسببة دمارا كبيرا في المناطق التي طالتها، رافقها انزياح ملحوظ لصفيحة الاناضول بحدود وصلت الى 3 متر،الامر الذي دفع كبارالعلماء في ابحاث الزلازل الى الاعتقاد بانه نسخة متجددة من الزلزال الذي حصل عام1939 وكان منشأه صدع شمال الاناضول بل اعظم منه كون الزلزال الأخير تميز بقرائن فارقة لعل أبرزها:
- قرب مركزالزلزال من سطح الأرض,
- تتبع الزلزال الأول بزلزال مماثل بعد ظهر اليوم الثاني أي حوالي الـ 9 ساعات .
حيث نفى الخبيران الفرنسيان المتخصصان في الزلازل، رومين جولفي من جامعة غرينوبل، ولوران جوليفيت من جامعة السوربون أن تكون هزة اليوم الثاني – هزةإرتدادية – التي عادة ما تكون أقل قوة من الأساسية – وهذه حالة نادرة الحدوث بعد الزلزال الأساسي كما هو الحال في الزلزالين الأخيرين، حيث نشأ الأول إثر الإنزياح الصفيحي الذي حرر جزءا من الطاقة الهائلة المحتبسة منذ آلاف السنين بفعل الحركة البطيئة للصفائح ،في حين يتم إعادة تنظيم جزء منها في قشرة الأرض، ما قد يؤدي إلى حدوث زلازل جديدة في المستقبل .
- تحرك القشرة الأرضية في منطقة الأناضول بمقدار 7.3 أمتار حسب ما أعلنته إدارة الكوارث و الطوارئ التركية .وهذا ما أشار إليه شريف الهادي، رئيس قسم الزلازل بالمعهد القومي المصري للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية متفقا مع ما ذهب إليه الخبيران الفرنسيان، وإشارة إلى إمكانية حدوث زلازل قوية لاحقة،وإن كان لا يمكن التكهن بتوقيت حدوثها لكن يرجح إمكانية حدوثها صدعي البحر الميت وشرق الأناضول.هذا ناهيك عن مئات الهزات الإرتدادية في المنطقة (كما هي في الصورة المجاورة ) والناجمة عن إمتداد النشاط الزلزالي إلى الفجوات المجاورة، تلك التي أعقبت الزلزال الأساسي بالإضافة إلى ما هو متوقع حدوثها لمدة تصل إلى سنة أو أكثر حيث لا تزال أجهزة الرصد تسجل يوميا عدة هزات في المنطقة المنكوبة وجوارها وبدرجات متفاوتة بين 3 و4.5 درجة حسب مقياس ريختر.وهو الأمر الذي يتطلب بشكل أساسي:
- عدم إخضاع الحالة الإنسانية الطارئة للمعايير السياسية،ومزاجية السلطات المتنفذة في المنطقة،وضرورة فتح أكبر عدد ممكن من المعابر المؤدية إلى المناطق المنكوبة .
- استمرار وزيادة تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، ومحاولات إنقاذ العالقين تحت الأنقاض رغم التضاؤل الكبير في فرص بقائهم أحياء.
- ضرورة توزيع تلك المساعدات على كل المستحقين في المناطق المنكوبة دون تمييز، بل وتحت إشراف الجهات المانحة .
أخيرا لا بد من الإشارة إلى البعض من التدابير الأساسية لا بد من إتخاذها عند أول إحساس بالهزة، وإتباع التعليمات الآتية:
– إن كنت داخل مبنى، إحمِ نفسك تحت طاولة متينة أو سرير. لا تهرب أثناء الهزة لتفادي وقوع الأشياء عليك، كالتلفاز أو الرفوف أو الزجاج المتناثر.
– إن كنت في الشارع، إبتعد عن الأبنية أو الأسلاك الكهربائية. ولا تحتمِ بشرفة أو سقف كي لا تقع عليك أنقاض.
– إن كنت في السيارة، أوقفها بعيداً عن الأبنية والأسلاك الكهربائية، وابقَ في داخلها احتماء من الحطام أو الردم.
وبعد الهزة مباشرة:
– لا تدخل الى مبنى متصدع أو متضرر لئلا يقع لك حادث بسبب الردم أو الانهيار.
– لا تستعمل المصعد الكهربائي كي لا تحتجز في داخله.
– في حال الدخول اقطع امدادات الغاز والكهرباء. لا تضئ شعلة ولا سيجارة لتفادي أي انفجار أو حريق.
– أخلِ الأماكن الخطرة، ولا تنسَ الحاجات الضرورية (تذاكر الهوية، راديو على البطارية، مصباح كهربائي، أدوية) وذلك بانتظار النجدة.