في دولة مثقلة بالأزمات الحادة، ينقسم اللبنانيون فيما بينهم حول كل شيء تقريبًا، باستثناء الموقف العنصري من لجوء السوريين في لبنان، وقد نجح الساسة والإعلام في جعل لجوئهم سببًا لكل أزمات لبنان، متجاهلين أن حزبًا مسلحًا مشاركًا في الحكومة، كان وما زال جزءًا من تهجيرهم القسري وقتلهم وهدم منازلهم.
تنفذ الحكومة اللبنانية خارطة طريق على عدة مستويات، دبلوماسية وأمنية– سياسية ومالية وقانونية. دبلوماسيًا، تعمل الحكومة اللبنانية مع الحكومة القبرصية على أن يتبنى الاتحاد الأوروبي فكرة “إنشاء مناطق آمنة” في سوريا ليتم ترحيل السوريين والسوريات إليها، أو أن يعتبر الاتحاد معظم المناطق السورية مناطق آمنة لتسهيل إعادة اللاجئين واللاجئات من عدة دول.
أمنيًا وسياسيًا، تم تفويض البلديات في معالجة الإقامات والعمل، ومُنحت غطاء سياسيًا للحد من الحريات مثل حرية التنقل تحت ذريعة “الحفاظ على الأمن”، وطلبت وزارة الداخلية منها رفع تقارير دورية كل 15 يومًا لرصد ما فعلته إزاء الوجود السوري، تحت طائلة محاسبة المقصرين منهم.
ماليًا، نجح لبنان في الحصول على هبة من الاتحاد الأوروبي بقيمة مليار يورو، تُصرف خلال أربع سنوات بدءًا من هذا العام وحتى 2027، وصفها رئيس الوزراء ميقاتي بأنها غير مشروطة، وحددت مجالات صرفها رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين، في محاربة “الهجرة غير الشرعية” ومساعدة اللاجئين والمجتمعات المضيفة، وإصلاحات اقتصادية ومالية ومصرفية.
أما قانونيًا فقد تم تعديل قانون الإقامة بعيدًا عن الصخب الإعلامي، وقرر مجلس الوزراء تعديل قانون إقامة ودخول الأجانب بلبنان في 28 من شباط الماضي، ودخل حيز التنفيذ في 26 من آذار الماضي كخطوة حاسمة من أجل ترحيل غالبية السوريين والسوريات، ومن ضمنهم من كانت إقامته قانونية حتى وقت قريب، ودخلوا إليه بشكل نظامي من المعابر الرسمية، فقد ألغيت الإقامة بموجب كفيل لبناني شخصي وسمح فقط للشركات المُسجلة بتقديم الكفالة، وأُوقف العمل بالإقامة بناء على عقار مستأجر للسكن العائلي، واستثنى القانون المعدل السوريين والسوريات من الحصول على إقامة بموجب عمل تطوعي.
كما أُوقفت الإقامة الدائمة والسنوية بناء على حساب بنكي، للذين نهبت المصارف أموالهم وحرمتهم من التحكم بها، وبالتالي من سيتم ترحيله لن يستطيع سحب المبلغ الضئيل الذي سمحت به المصارف، ولن يتمكن من تحويله إلى خارج لبنان بسبب انهيار القطاع المصرفي والقيود التي فرضها. أما المبالغ التي أُودعت بعد 2019 والتي أطلقت عليها المصارف “Fresh Money” فلا يمكن للسوريين والسوريات تحويلها إلى خارج لبنان بسبب العقوبات على سوريا، وتواطؤ البنك المركزي في لبنان بتضييق الخناق أكثر عليهم.
أما إقامة العمل بالنسبة للسوريين والسوريات في القطاعات الثلاثة المسموح بها، وهي البناء أو الزراعة أو النظافة، فتنقسم إلى أربع فئات بناء على قيمة الراتب، وحُصر جندر المستوى الرابع بالنساء العاملات في الخدمة المنزلية تحديدًا. واستعيض عما ألغي من أنواع الإقامات السابق ذكرها أعلاه، بإقامة سنوية دائمة عبر كفالة نقدية تودع في صندوق الخزينة اللبنانية نقدًا أو بموجب شيك مصرفي نقدي لدى وزارة المالية بقيمة مليار وخمسمئة مليون ليرة لبنانية (أي ما يعادل 16760 دولارًا أمريكيًا)، كما يحق لمن يريد الإقامة بموجب عقد إيجار سكن أو ملكية عقار أن يتعهد بعدم العمل في لبنان، ويبرز إيصالات بنكية تفيد بأنه تلقى مبلغًا شهريًا من خارج لبنان بقيمة 2000دولار لمدة 6 أشهر تسبق تاريخ التقديم على الإقامة، وهي شروط تعجيزية وطبقية بامتياز.
وفي 8 من أيار الحالي، وبعد أن أصبح، وسيصبح، وجود غالبية السوريين والسوريات مخالفًا للقانون بسبب تعديل قانون الإقامة، صدر بيان عن المديرية العامة للأمن العام يطلب من “السوريين المخالفين لنظام الدخول والإقامة، التوجه مباشرة إلى الدوائر والمراكز الحدودية لمنحهم التسهيلات اللازمة لتسوية أوضاعهم ومغادرة الأراضي اللبنانية، تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة بحق غير المغادرين”، وهي الحبس من شهر إلى ستة أشهر (حسب المادة 34) من قانون تنظيم الدخول إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه الصادر في 10 من تموز 1962، و”التشديد على المواطنين اللبنانيين عدم تشغيل أو إيواء أو تأمين سكن لسوريين مقيمين بطريقة غير شرعية في لبنان، تحت طائلة تنظيم محاضر ضبط إدارية وعدلية بحق المخالفين”، و”إقفال جميع المؤسسات والمحال المخالفة التي يديرها أو يستثمرها سوريون، واتخاذ الإجراءات المناسبة بحق كل من يستخدم عمالًا أجانب خلافًا لنظام الإقامة وقانون العمل”. وبالطبع الاستمرار بالترحيل القسري دون التنسيق مع مفوضية اللاجئين لدراسة ملفات الأفراد، رجالًا ونساء بتنوعاتهن، والخطورة التي تسببها إعادتهم بهذه الطريقة والتي ستنعكس على حيواتهم وحريتهم وأمنهم دون موافقتهم الطوعية.
انعكست حملات العنف الجماعية المكثفة والفاشية التي طالت عموم السوريين والسوريات مؤخرًا، وتعديل قوانين الإقامة بزيادة الطلب على جوازات السفر، فخلال بداية الأسبوع الثاني من هذا الشهر، وصل دور حجز موعد بالسفارة السورية في لبنان للحصول على جواز سفر أو تجديده إلى بداية شهر أيلول المقبل، رغم أنه يصنف كأضعف جواز سفر في العالم، لضيق خيارات التنقل المتاحة أمام حامليه.
عمليًا، تحت وطأة الممارسات اللاإنسانية والعقاب الجماعي وحملات الفاشية وخطاب الكراهية ضد السوريين والسوريات، ثمة مصير مجهول ينتظرهم، وخسائر مادية ومعنوية ونفسية لا يتصورها إلا من يقبع تحت هذا الضغط الشديد، وقضية لجوء يراد حلها بالوسائل الأمنية بينما هي قضية حقوقية وإنسانية وسياسية.