روماف – تقارير
عزالدين ملا
تتحرك الدبلوماسية والسياسة الدولية في منطقة الشرق الأوسط وخاصة سوريا والعراق بوتيرة عالية ونشطة خلال هذه الفترة وخاصة بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.
حيث بدأ الحديث أيضاً عن قرب عقد اجتماع آخر لـ “جنيف” من سلسلة الاجتماعات المتكررة له منذ أكثر من عشرة أعوام.
منذ أن بدأ الحديث حتى تحرّكت القوى المتحكمة بالشأن السوري في فرض إملاءاتها داخلياً وخارجياٍ ما عدا الكورد.
روسيا مع النظام قامت بقصف إدلب لفرض هيمنتها العسكرية على الإجتماع القادم. وتركيا التي بدأت بتحركات عسكرية على الحدود السورية لتوجيه رسائل ضغط وهيمنة. إيران مع النظام بفرض قوتها العسكرية على منطقة درعا. إسرائيل التي تقصف مواقع عسكرية إيرانية. أمريكا الدولة التي أربكت كثير من دول العالم في انسحابها من أفغانستان تعد العدة لفرض قوتها السياسية والعسكرية والأمنية على العراق وسوريا. ما عدا الكورد ما زالوا ملتهين بالإتهامات والمزاودات.
1- كيف تحلل هذه الأحداث في الشرق الأوسط عامة والعراق وسوريا خاصة؟
2- هل يمكن أن الجولة القادمة من اجتماعات جنيف واللجنة الدستورية بداية نهاية معاناة السوريين؟ أم بداية لمرحلة معاناة جديدة؟ ولماذا؟
3- ما تحليلك للوضع الكردي؟ وأين تجد مكانه في المرحلة القادمة؟
4- الأطراف الكوردية تعلم أن في وحدة الصف والموقف الكورد قوة المطالبة بحقوق الكورد، أين المشكلة؟ ولماذا هذه المماطلة؟ وما المطلوب للخروج بما يرضي الجميع؟
مخاطبة المجتمع الدولي بموقف موحد يحقيق مكاسب أفضل للكورد
تحدث عضو اللجنة السياسية في الحزب يكيتي الكوردستاني- سوريا، فؤاد عليكو، بالقول: «بالتأكيد بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ستتبلور يوماً بعد آخر السياسة الأمريكية الجديدة في عموم الشرق الأوسط والتي تتلخص حسب تصوُّري، أن لا تدخُّل عسكرياً في دول الشرق الأوسط، وإنما سوف تعتمد على حلفاء محليين للقيام بهذا الدور ودعمهم لوجستياً من خلال خبراء ومستشارين عسكريين بالإضافة إلى استخدام العقوبات بحق المعارضين لسياستها في المنطقة. اما بالنسبة لسوريا، فما يهم أمريكا من سوريا سوى أمن إسرائيل أولاً والأردن ثانياً، ومحاربة داعش ثالثاً. وحسب المعلومات الشحيحة المتوفرة، فإن الملف السوري قد تم التوافق عليه في لقاء الرئيسين بوتين/ بايدن في حزيران المنصرم، وأن الروس قد وافقوا على الشروط الأمريكية التي ذكرناها مع تغيير طفيف في سلوك النظام السوري من خلال إجراء تعديلات معيّنة على الدستور السوري عبر جنيف لإضفاء الطابع الدولي عليه، ومشاركة بعض أطياف المعارضة التي تقبل ببقاء النظام».
ويذكر عليكو: «أن سياسة تأهيل النظام من جانب روسيا بدأت منذ مؤتمر آستانة ٢٠١٦ ومؤتمر سوتشي ٢٠١٨، والدول العربية جميعها أصبحت جاهزة لتقبل ذلك ولم يبق سوى إرضاء أمريكا وتركيا والمباحثات تحت الطاولة مستمرة منذ لقاء الرئيسين، واليوم بدأنا نلمس ذلك على أرض الواقع من محاولة النظام السيطرة على كامل الأراضي السورية، وما نشهده في درعا وإدلب يصب في هذا الإتجاه، كما أن اللقاءات الأمنية بين تركيا والنظام السوري خرجت للعلن وسوف يتم البناء على إتفاقية أضنة ١٩٩٨، بالإضافة إلى إرضاء تركيا في المجالات الاقتصادية. أما النظام، فقد بدأ يعد العدة للتغيييرات الدستورية الجديدة مسبقا حتى لا يفسر بأن بعض المواضيع والقضايا قد فرضت عليه، فقد أعلن بشار الأسد القبول بمبدأ لامركزية الدولة ومنح الحقوق الثقافية للكرد وبقية المكونات، ولم يعد هناك عقبات أمام تأهيل النظام وقبوله في المجتمع الدولي سوى الموقف الأمريكي من إيران وكيفية تحجيم دوره في سوريا إرضاءً لإسرائيل أولاً والدول العربية ثانياً، هذا الموضوع ليس بالأمر السهل تجاوزه، وإذا ما تمّ معالجة هذا الموضوع، فسوف يصبح الطريق مُمهّداً أمام انعقاد اللجنة الدستورية والتي لن تنعقد إذا لم يكن هناك اختراق إيجابي وحقيقي في ملف الأزمة السورية. نلاحظ مما تقدم غياب الدور الأساسي للمعارضة السورية بما فيهم الكرد، لكن وجودهم ضروري للتوقيع على حل يوافق عليه الأطراف الدولية الأساسية المعنية بالازمة السورية».
يتابع عليكو: «أما بالنسبة للكرد وكما ذكرت سابقاً هناك غياب كامل لدور المعارضة بما فيهم الكرد في التأثير المطلوب على مخرجات الحل السياسي، لكن ومن خلال نشاطات المجلس الوطني الكردي سواء عبر لجنة العلاقات الخارجية أو من خلال الائتلاف أو هيئة التفاوض فقد تم نقل الصورة كاملة عن القضية الكردية وعن معاناة الكرد وظلمهم ونكران حقوقهم، وكذلك مطالبهم في سوريا المستقبل إلى جميع الدول المعنية بالملف السوري بشكل مقبول، ولا أعتقد بأن المجتمع الدولي سيتجاهل هذه الحقوق، لكن ليس كما نريد، بل كما يتم التوافق عليه بين هذه الدول، وخاصة بين روسيا وأمريكا وتركيا».
يضيف عليكو: «من هنا تقضي الضرورة والمصلحة الكردية توحيد الموقف الكردي في هذه المرحلة الحساسة من استحقاق الحقوق وإعداد دستور جديد للبلاد، لكن وعلى الرغم من أن الحوار لم يتوقف بين الطرفين وبرعاية أمريكية، وحصل تفاهم في عدة نقاط هامة لكن لايزال الكثير من النقاط الهامة قيد النقاش، وخاصة فيما يتعلق بتدخل حزب العمال الكردستاني المباشر في شؤون كرد سوريا والهيمنة على قراره وما تسببه هذا التدخل من عقبات أمام أي إتفاق بين الطرفين. نأمل أن يتم تجاوز كل الخلافات خلال الجولة الحالية، وحينها نستطيع مخاطبة المجتمع الدولي بموقف موحد ومن موقع أقوى وتحقيق مكاسب أفضل».
بوصلة المصلحة الكردية القومية يتم بالاجتماع على كلمة واحدة ضمن إطار مؤسسات ترقى لنظام الدولة
تحدث عضو اللجنة المركزية في الحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا، فيصل نعسو، بالقول: «للأسف نقول إن اللاعب المسيطر على المشهد في الشرق الأوسط بشكل عام هو اللاعب الروسي وفي سوريا بشكل خاص. وبعام 2015 نشر كيسنجر مقالاً في صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أشار فيه إلى أن التدخل العسكري الروسي في سوريا تسبب في جلب الفوضى للبنية الجيوسياسية التي اتسمت بها منطقة الشرق الأوسط عقودا. وربما الولايات المتحدة الأمريكية تسعى من خلال الانسحاب العسكري من أفغانستان إلى خلق بؤرة توتر على الحدود الروسية من خلال حكم طالبان وإعادة خلط الأوراق من أجل الضغط كورقة رابحة على ملفات الشرق الأوسط ومنها سوريا بالدرجة الأولى. والتصعيد الأخير في درعا جزء من هذه التفاهمات غير المعلنة ومباركة من بقية اللاعبين في دول الجوار».
يتابع نعسو: «عليه يكون أي إجتماع للجنة الدستورية في جنيف بدون قيمة ومعنى كسابقاتها إذا لم يحدث تفاهم مسبق بين الروس والأمريكان لتقسيم النفوذ في الشرق الأوسط وحل مشاكل ليبيا والقرم وأوكرانيا والعقوبات الاقتصادية على روسيا، هي سلة متكاملة يتم التفاوض عليها والغلبة لمن يملك اوراق الضغط على الأرض».
يضيف نعسو: «للاسف الكرد كعموم الشعب السوري في سفينة بخضم بحر هائج، الكل يتلاعب به كموج البحر، ولا مستقر لهذه الرحلة الطويلة ولا رؤية قريبة لليابسة. لكن وبرغم كل هذه الصعاب على الكرد السوريين قراءة المشهد بصورة جيدة والاتجاه نحو بوصلة المصلحة الكردية القومية ونبذ التشرذم والخلافات الحزبية الضيقة والاجتماع على كلمة واحدة ضمن إطار مؤسسات ترقى لنظام الدولة تحضيرا للمرحلة المقبلة».
الاتفاق الكوردي هدف استراتيجي يضمن خلاصنا في كوردستان سوريا
تحدث السياسي، حميد خليل، بالقول: «للوهلة الاولى بدا الانسحاب من أفغانستان هو تخلٍّ أمريكي عن منطقة آسيا الوسطى وربما سينطبق ذلك على العراق وسوريا. لكن باعتقادي ان ذلك الإنسحاب لم يكن قراراً اعتباطيا أو متسرعاً من بايدن إنما جاء نتيجة لاستراتيجية أمريكية في آسيا الوسطى بأدوات وسياسات جديدة ربما ستكون أكثر فاعلية من وجودها بشكل مباشر في أفغانستان، وستعزز بذلك تركيزها ووجودها أكثر في العراق وسوريا من خلال تمرير سياسات الفوضى الخلاقة في منطقة آسيا الوسطى عبر حركة طالبان التي اتفقت معها في قطر على صفقة التسليم، واعتقد أيضا عبر إطلاق يد باكستان في المنطقة، وخلق حالة من الفوضى على كافة الجبهات الصينية والروسية والايرانية والتركية، وجعل باكستان دولة إقليمية مؤثرة على ساحة آسيا الوسطى، وجعلها شرطياً أمريكياً يحافظ، ويدافع عن المصالح الأمريكية في المنطقة».
يتابع خليل: «أما الصين فرغم ابتهاجها بالانسحاب الأمريكي لكن الأيام القادمة كفيلة بوضع الصين في مأزق الصراع الأفغاني الباكستاني لأسباب أهمها إضطهاد الأقلية المسلمة على أراضيها هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن باكستان وأفغانستان يشكلان العصب الرئيسي لبداية طريق الحرير الصيني للانفتاح على باقي العالم. وكذلك ستقوم بتحجيم أو لجم تركيا في النفاذ إلى تلك الجغرافيا، وخلق منافس قوي لها على زعامة المحور السني في العالم العربي والاسلامي، ما سيشكّل ورقة ضغط أمريكية إضافية على تركيا لإخضاعها والعودة بها إلى الحاضنة الأطلسية. وكذلك إيران لن تكون بمنأى عن الضغوط على حدودها مع باكستان عبر إقليم بلوشستان وأيضاً حدودها مع أفغانستان السنية، والتي تميل بمعتقداتها إلى المحور الخليجي المنافس والعدو التقليدي لإيران مما يساعد لفرض أجندات على الحوار من أجل الإتفاق النووي وتحجيم دورها في العراق وسوريا من خلال فتح جبهات استنزاف جديدة لإيران. أما روسيا المنافس الشرس لأمريكا فستجد نفسها مضطرة لحماية حدودها وتعزيز تواجدها العسكري في جمهوريات آسيا الوسطى، واستقدام قوات إضافية إلى حدودها الجنوبية، ما سيرتب عليها أعباء اقتصادية إضافية وإرباكاً في استراتيجياتها الأمنية في المنطقة، وتقليص دورها إلى حد ما في سوريا عامة وشمال سوريا خاصة، وهذا ما دفعها لاستباق الأحداث ومحاولة تعزيز وجودها العسكري على حساب تركيا والمعارضة مؤخراً في مناطق إدلب، وأعتقد أن روسيا ستحاول الإسراع بالحل السياسي السوري من خلال جنيف في المرحلة القادمة. أما بالنسبة للوضع العراقي والسوري فلا يمكن إسقاط تلك التجربة الأفغانية على جغرافية البلدين، وليس هناك وجه للتشابه أو الإسقاط وذلك بحكم اختلاف الجغرافيا والأبعاد الجيوسياسية والاستراتيجيات بعيدة الأمد للولايات المتحدة في الشرق الأوسط بشكل عام، فالانسحاب الأمريكي من سوريا والعراق سيجعل منها دولة ما وراء البحار وسقوطاً حراً لعظمتها على الساحة الدولية وتقديما لجغرافيا قلب العالم على طبق من ذهب لروسيا والصين».
يضيف خليل: «الحوار الكوردي الكوردي يقين وغاية وهدف وربما حلم لنا ككورد في الخلاص والانعتاق، لكن في اعتقادي وللأسف فإننا ككورد قراءتنا ضعيفة لواقع الجغرافية السياسية لمناطقنا والمصالح الدولية المتشابكة والمتنافسة عليها من قبل الدول الإقليمية والدول المحورية المتنفذة على الساحة السورية بشكل عام وكوردستان سوريا بشكل خاص. فالحوار الكوردي الكوردي يستخدم كورقة ضغط من كافة الاطراف، وهنا لا بدَّ من قراءة قصيرة في الملف التركي وأطماعها في مناطقنا. فروسيا من جهة تسعى لكسب تركيا وإبعادها ما أمكن من الحاضنة الأطلسية والاستفادة من وضعها الإقليمي ومضائقها النافذة إلى المياه الدافئة (البوسفور والدردنيل)، ولا أعتقد أنّ الكورد يشكّلون عائقاً لروسيا والتنازل أو القضاء على القضية الكوردية مقابل كسب تركيا التي أصبحت في حديقة روسيا الخلفية (أذربيجان) أمراً صعباً حتى إذا تم ذلك بالتنسيق بين تركيا وسوريا برعاية روسية».
يعتقد خليل: «أن الأمريكيين حتى اللحظة غير مهتمين بالكورد أو حتى اعتبارهم شركاء على المدى القصير ناهيك عن اعتبارهم حلفاء استراتيجيين، ويتضّح ذلك من خلال مماطلتها وإهمالها المتعمد كراعٍ في استئناف الحوار أو الضغط باتجاه تنفيذه، وهنا يظهر التنافس الأمريكي الروسي على تركيا لكسبها من خلال الورقة الكوردية. أما فرنسا والتي تتمتع بدور مهم في المنطقة الكوردية كقوة فاعلة بعد أمريكا فيبدو أنها أيضاً تستخدم الكورد السوريين من خلال استقبالها لهم في الأليزيه كورقة ضاغطة على تركيا للتراجع ما أمكن عن اعتداءاتها على المصالح الفرنسية في وسط وشمال وغرب أفريقيا، فقد بلغ حجم الاستثمارات التركية في أفريقيا منذ عام 2004 حتى عام 2019 من 3 مليار دولار إلى 22 مليار دولار على حساب الاستثمار الفرنسي. كما أن تركيا وقعت مؤخراً اتفاقية تعاون عسكري مع النيجر، وصرّح مولود جاويش أوغلو أن تركيا ستدعم الدول الأفريقية وخاصة دول الساحل، وهذا ما سيؤدّي إلى تحجيم الدور الفرنسي. وعلى ذلك فقد شارك ماكرون في قمة تجمُّع دول الساحل الأفريقي لتشكيل جبهة تحدٍّ من التوسُّع التركي. وهنا لن أطيل، وأتحدث عن الدور التركي في الخليج من خلال قطر والبحر الأحمر من خلال قواعدها في الصومال وعن أوروبا وورقة اللاجئين المهددة لأوروبا».
يختم خليل: «بناءً على كل ما ذكر سابقاً فإن تركيا مستعدّة للتنازل عن جزء من كل تلك الفوضى أو الإعتداءات على المصالح الدولية في المنطقة في سبيل الحصول على شمال سوريا كاملاً ومحاصرة كوردستان العراق وإنهاء الوجود الكوردي. لذلك أعتقد أن الإسراع في الوصول إلى اتفاق كوردي بأي ثمن سيجنب الكورد في سوريا مأساة عفرين وسري كانييه التي لا تجد فيها أياً من أحزاب الوحدة الوطنية أو أحزاب المجلس الوطني الكوردي، فجميعنا كورد بعيون تركيا. لذلك فإن الإتفاق الكوردي في سوريا هدف استراتيجي يضمن خلاصنا في كوردستان سوريا، وكذلك سيكون له تبعات إيجابية على الأجزاء الكوردستانية الأخرى».
وحدة الصف الكردي هو الخيار الأنسب لمستقبل الشعب والقضية الكردية في سوريا
تحدّث البيشمركة، عبداللطيف موسى، بالقول: «يلاحظ المتتبع للسياسة الدولية في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وفي سويا على وجه الخصوص أنها تعتمد على مبدأ المصالح. تلك المصالح التي تتخذ منحى أو أشكالاً تعتمد على الظروف التي توضع جميع الخطط لها على شكل استراتيجيات تحدد شكل التعامل. يتم استثمار تلك الاستراتيجيات خارجيا، وكما يتم استغلالها داخلياً لتحقيق غايات وأهداف معينة، توضع من قبل كبار خبراء صناعة السياسات العالمية، ويتم وضع الظروف وتهيئة المناخات المناسبة لها من أجل تنفيذها. الأزمة في سوريا اتخذت ذلك المنحى موازياً لتلك السياسات عبر اتّخاذ شكل أيديولوجيات تم تصديرُها إلى الشعب السوري تحت مفاهيم مستغلاً حاجة الشعب في التغيُّر والحرية والكرامة. عناوينها الأساسية مبادئ حقوق الإنسانية، ولكل الشعب الحق في تحديد مصيره. الأزمة في سوريا باتت أزمة على المستوى الإقليمي والدولي، أقطابها الدول العظمى الساعية إلى تنفيذ أجنداتها على حساب الشعب السوري الذي دفع ثمنها القتل والتشريد واللجوء والهجرة والتغير الديمغرافي وهدم ملامح المجتمع والدولة الحديثة، وسعياً إلى محو حضارة هذا الشعب الذي يعود إلى الآف السنين قبل ميلاد البشرية. الدول الإقليمية لم تكتفِ بالحرب بالوكالة في سوريا بل عمدت إلى التدخل المباشر. الإيرانيون ومنذ الأيام الأولى من الأزمة السورية دخلوا وبكلّ قوة وعلانية معلنين دعمهم المباشر للنظام السوري بجنرالاتها التي تقود أفواج من المليشيات العقائدية والمذهبية سعياً لتحقيق ما يسمى الهلال الشيعي، والذي أعلن عنه مراراً المسؤولين الإيرانيين، ولهذا سعوا إلى إحداث تغيير ديمغرافي طائفي في الكثير من المناطق في سوريا. لا يخفى أيضاً الدور الروسي المباشر في الأزمة السورية من خلال كافة أشكال وأنواع الدعم المباشر للنظام السوري في قمع المعارضة السورية، واستعمال شتى أنواع الأسلحة الروسية، وتحويل سوريا إلى ميدان من أجل تجربة أسلحتها الحديثة. الأمر الذي أدّى إلى إحداث تغير لموازين القوى على الأرض. التدخُّل التركي عبر الدخول في مفاوضات ومساومات مع الروس والأمريكان على حساب الشعب السوري، واحتلال أراضي سوريا مثل عفرين وگـري سپـي وسري كانييه. الدخول الأمريكي المباشر الذي أدى إلى إنشاء ما يسمى شرق وغرب الفرات».
يتابع موسى: «الأزمة السورية أصبحت أزمةً دوليةً بكل المقاييس من خلال دخول الدول الإقليمية والدولية في الصراع في سورية بشكل مباشر. لذلك قرار إيجاد الحلول في الأزمة السورية أصبحت قرارات دولية ليس للشعب السوري شأن ولا سلطة فيها. في ظل عجز الدول العظمة عن إيجاد حل للأزمة السورية ستبقى المعاناة السورية مستمرة. بما أنها أزمة مصالح وصراع النفوذ في سوريا. أحتلت الكثيرة من الأراضي السورية بموجب اتفاقيات نفوذ ومصالح كما تمّ التنازل عن عفرين وسري كانيه وگـري سپـي وأجزاء من إدلب بموجب اتفاقيات أمريكية روسية تركية. برأيِّ سوريا مقبلة على المزيد من صراع النفوذ وتنفيذ إتفاقيات دولية التي ستلبي تنفيذ مصالح كل تلك الدول ماعدا مصلحة الشعب السوري الذي يدفع ثمن تلك الإتفاقيات».
يضيف موسى: «إن الإخفاق الدولي على الصعيد الدبلوماسي في إيجاد حل للأزمة السورية، إنّما نتاج غياب الإرادة الدولية الصادقة في إيجاد حل لتلك الأزمة، وإنهاء المعاناة السورية وترحيل الأزمة عبر جولات عديدة من جنيف واستانا، كما أن فشل لجنة الصياغة الدستور السوري على الإتفاق على جدول أعمالها في ظل التعنت الروسي، أنما يعكس غياب الإرادة الدولية الصادقة في إيجاد حل لتلك الأزمة، وإنهاء معاناة السوريين في ظل الاستراتيجية الروسية في إعادة كل سورية إلى ما قبل 2011، والإستراتيجية الأمريكية في إدارة الأزمة وليس إيجاد حل لها».
يردف موسى: «الوضع الكردي إلى مزيد من التعقيد في ظل عدم قدرة السياسيين الكرد على القراءة الصحية للأحداث الدولية والتفاعل الواقعي معها، جعل المصالح الدولية تقاطع المصالح الكردية، وغياب استراتيجيات واضحة لإدارة الوضع الكردي، وعدم القدرة على مواكبة التطورات المتسارعة في المنطقة. الأمر الذي سيعقد الوضع الكردي أكثر وسيأخذه في المصير المجهول في ظل الحديث والتسريبات عن قرب مصالحة مباشرة، وعلاقات تركية سورية سيمهد لها لقاء فيدان ومملوك في بغداد. بالتأكيد الوضع الكردي سيكون حاضراً وبقوة في تلك اللقاءات. والحديث عن قرب إتفاق تركي أمريكي لتنفيذ إتفاقيات المرحلة الثانية والثالثة من المنطقة الآمنة والإنسحاب الأمريكي من سوريا اسوة بأفغانستان».
يختم موسى: «في ظل الحديث عن كل الإتفاقيات التي ستحدد مصير الكرد في كردستان سورية، لابد من القول بأن وحدة الصف الكردي هو الخيار الأنسب لمستقبل الشعب والقضية الكردية. لا بديل عن الإتفاق الكردي الكردي. السبب الأساسي في التعسر تلك المفاوضات عدم الجدية الأمريكية في الضغط كونها راعية للمنطقة. وكما أن أحزاب الوحدة الكردية (PYNK) لم تحدد إلى الآن أولية تحالفاتها مع الأمريكان أم مع النظام السوري والإيراني، وسعيها لفتح قنوات مع الروس للإبقاء على هيمنتها على المنطقة. لا بد للمجلس الوطني الكردي الضغط بشكل أكثر في استغلال علاقاتها الدبلوماسية والإستفادة من الرعاية الرئيس مسعود بارزاني لدفع الطرف الآخر إلى المفاوضات بكل جدية».
الخاتمة:
تسارع السياسة والدبلوماسية الدولية في سوريا توحي عن وجود ترتيب للأوراق، يُظهر عن حصول توازن ومقايضة بين الدول المعنية بالشأن السوري، ويتراءى عن بوادر حلحلة الوضع العام السوري، من خلال تدوير النظام وشرعنة وجوده عالميا، وما على الكورد سوى الإستعداد لِما هو آت، إن كان خيراً أو وبالاً علينا، أيَّاً كان فهذا من صنع أيدينا.