روماف – رأي
عزالدين ملا
منذ أن دخلنا القرن الحادي والعشرين وبالأخص بعد العقد الأول منه، والسياسة الدولية تأخذ منحىً واتجاهاً آخر، هو عدم وضوحها في العلاقات الدولية وفي التعامل مع الدول المستبدة والديكتاتورية وكذلك مع الشعوب المضطهدة، حيث طغى عليها عامل المصالح الإقتصادية، وكذلك السياسة الدولية في الصراعات لم تعد بمواجهة عسكرية لفرض إملاءات بين الدول، ولم تعد وسيلة ضغط كما السابق، ففي الحدث الأفغاني وانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية وضعت العالم أمام مرحلة جديدة، ستخلق حيثيات وترتيبات تغير من كافة المفاهيم السياسية المعتادة، وقد تكون بداية كسر إتفاقيات القرن الماضي وخاصة اتفاقية سايكس بيكو المفروضة في الشرق الأوسط، ويبدو ذلك لظهور إتفاقيات جديدة وفرض تحركات جغرافية مغايرة لِما كانت في الماضي وتقوية مكانة ونفوذ الدول العظمى وخاصة أمريكا وحلفائها أمام تمدد الدب الروسي والتنين الصيني إقتصاديا أولاً وتجارياً ثانياً وسياسياً ثالثاً.
الدول العظمى أثناء تنفيذ خطوة، تكون عن دراسة وتخطيط محبك ودقيق يراعي مصالح الدول الحليفة والصديقة من جهة ومن جهة أخرى وسيلة ضغط على الدول المعادية للحصول على التنازل أو التراجع. مع المحافظة على النفوذ والتوازن في السياسة الدولية، وعندما قامت أمريكا بخطوة الإنسحاب من أفغانستان، كانت بعد تحليل كافة أبعادها القريبة والبعيدة، ودراسة تداعياتها المرحلية والمستقبلية، مع أخذ كافة الاعتبارات العقائدية والطائفية والقومية والجغرافية والمصالحية وحتى الأخذ في الحسبان اساليب الضغط والتضييق لفرض أجنداتها وإجبار الآخر بالتنازل وتنفيذ المطلوب.
فكان هذا الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، أولاً، المقايضة والضغط على الإتحاد الروسي التي تحاول بكافة السبل إرضاء أمريكا مقابل الحفاظ على وجودها في شرقي المتوسط أي السواحل السورية، بالمقابل أمريكا تعمل على كسب روسيا في مواجهة الهالة الإيرانية الضخمة في منطقة الشرق الأوسط وتمددها الأرعن.
وكما نعلم كانت الاستراتيجية الأمريكية في بداية الربيع العربي قائمة على استهداف سوريا والعراق لإيجاد تبرير سياسي وعسكري لوجودها داخل هذه المنطقة، بعد أن مكنت وجودها في الخليج العربي وطمأنة دولها بعدم تمدد الإرهاب المصطنع والأذرع الإيرانية نحوها، فبررت وجودها في هذه الدولتين بمحاربة الإرهاب من خلال التدخل ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الإرهابي، وبعد أن مكنت وجودها، بدأت مرحلة ما بعد إرهاب داعش، أي مسألة شرعنة وجودها في العراق وشمال شرق سوريا سياسياً وأمنياً وإقتصادياً، يحصل ذلك من خلال مسائل الضغط والمقايضة وفرض إملاءات، ومن هذه الغاية كانت الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان وبموافقة ورضى روسية، التي تعمل بكل السبل لبتر يد إيران من سوريا، من خلال هذا الإنسحاب ينتج إضطراب وقلق على الحدود الايرانية مع أفغانستان بعد سيطرة طالبان ذات توجه سني أخواني، الرعب الطالباني الذي سيجعل إيران مجبرة على قبول إملاءات أمريكية روسيا من الرضوخ لشروط الملف النووي وأيضا إضعاف وجودها في سوريا ووقف تمددها في العراق. وأيضاً لإرباك الرعب الإقتصادي الصيني التي أصبحت قوة إقتصادية لا يستهان بها، بوجود دولة سنية ستربك تجارة الصين العالمية مما يفضي إلى إضطراب وخلل إقتصادي وتجاري. أما بالنسبة لشعوب المنطقة أن هذا الإرباك والإضطراب سيمنحهم نافذة من هامش إصلاحي وديمقراطي، قد تكون في مستوى ليس بالمطلوب، ولكن يفسح المجال لبعض التنفيس، وإن لم تكن غاية الدول في التدخل والتداخل ولكن سياسة التوازن وفرض النفوذ يتطلب ذلك.
الولايات المتحدة الأمريكية وبعد تغيير أساليب السيطرة والنفوذ من التدخل العسكري إلى الإعتماد على حلفاء محليين، مكنت نفسها في آسيا الوسطى من خلال تعيين شرطي أمريكي يحمي مصالح ونفوذ وأمن أمريكا وهي باكستان، وبسيطرة حركة طالبان على أفغانستان دعمت قوة باكستان في تلك المنطقة. وتحاول أن تُمكن مصالحها ونفوذها وأمنها في تأمين حلفاء لها في الشرق الأوسط، عدا حلفائها التقليديين كـ تركيا ودول الخليج، تبحث عن حليف جديد يكون السورالتي تحد من الخلافات بين تركيا الإخواني والخليج الوهابي السني، لمنع حصول أي خلل أو إضطراب يضر بمصالحها ونفوذها في المنطقة، والحليف الجديد ذو ثقة ومصداقية هم الكورد.
بالنسبة للشعب الكوردي الفرصة ذهبية قد لا تتكرر، ونحن على أعتاب نهاية قرن من إنتهاء مفعول الاتفاقيات المشؤومة التي قسمت منطقة الشرق الأوسط إلى دولٍ، دون إعتبارات قومية ولا إنسانية، هذه الإتفاقيات التي دفع الكورد ضريبتها الكثير الكثير من الإضطهادٍ والتمييز العنصري والقتل والتشريد، ظلم لم يشهده أي شعب آخر على مرّ التاريخ.
المشاريع والترتيبات الجديدة التي أدخلتها أمريكا إلى المنطقة جميعها من أجل تطويعها للإستراتيجية الأمريكية القائمة على الهيمنة والنفوذ، والكورد من ضمن تلك المشاريع بعد أن وجدت الولايات المتحدة الأمريكية فيهم من خاصيات ما لم تجدها عند أي من شعوب المنطقة، أولاً، وجدت في الكورد حليف يمكن الإعتماد والتعاون معهم في محاربة بؤر الإرهاب. ثانياً، كسب من خلال موقع تواجد كورد العراق وسوريا مركز استراتيجي لفرض الهيمنة والنفوذ على المنطقة والعالم. ثالثاً، سداً منيعاً لحماية مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الخليج العربي. رابعاً، منافساً لتركيا من أجل تنشيط حركة التجارة في المنطقة ولطمأنة دول الخليج من إزدياد النفوذ التركي. هنا يتلاقى مصالح الكورد مع مصلحة أمريكا الإستراتيجية. فقط الحاجة إلى إثبات قوة الكورد جديرة بالتحالف معه، هنا يتطلب من الكورد معرفة نقاط الخلل والعمل على تداركها، والإسراع إلى تذليل الخلافات والخروج بموقف وهدف موحد، الجغرافية الجديدة ستكون على أساس الحليف القوي.