روماف – رأي
عزالدين ملا
بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان ظهرت تحليلات كثيرة من هنا وهناك، معظمها تقول بأن أمريكا بعد انسحابها من أفغانستان ستنسحب من كافة مناطق تواجدها، هذه التحاليل غير واردة، أمريكا التي تعتبر نفسها الدولة العظمى والمتحكمة والمسيطرة على كافة النواحي في العالم، هذا كله لن يكون إن فكرت أمريكا ب الانسحاب من جميع مناطق تواجدها. ما حصل في أفغانستان ليست مفاجأة، بل كانت عن دراية وإصرار وبعد معرفة نوايا جميع الدول الجارة وحتى الدول المنافسة لأمريكا.
هذه الرسائل الإعلامية والسياسية التي تصدر من هنا وهناك من قبل الدول الكبرى أمريكا وروسيا والدول الإقليمية تركيا وإيران، توحي ملامحها بوجود خلط في الأوراق القديمة وترتيب جديد يلوح في الأفق، وخاصة ونحن نقترب من أعتاب مرور مئة عام على إتفاقية لوزان في 24 تموز من العام القادم 2023.
مطبخ السياسة العالمية يسير وفق وتيرة محددة، تراعي مصالح الدول المتنفذة في السيادة العالمية وخاصة أمريكا ومن خلفها إسرائيل وحلفائها وأيضا روسيا وحتى الصين، إن كانت بشكل مباشر أو غير مباشر، والحيرة في سياسة المنطقة ليست سوى تناغم في مصالح السياسية والإقتصادية هذه الدول ونفوذها.
وما الاجتماعات التي تحصل بين رؤساء هذه الدول ليست سوى بازارات سياسية للمقايضة في ما بينهم وعدم التضارب في المصالح، وأفغانستان كانت من تلك البازارات.
الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة العالم تعمل وفق سياسة واستراتيجية مرسومة سابقا، فقط هناك تكتيكات سياسية والتفنن في الخطط دون المساس بالاستراتيجية المصلحية والنفذوية الأمريكية العليا. في العموم، لا تحدث تغييرات جذرية على صعيد السياسات الخارجية الأمريكية باختلاف الرؤساء والأحزاب، فالإدارات الأمريكية على تنوعها تخضع لاستراتيجيات مُوحّدة بعيدة المدى، مرتبطة بمصالح قومية عليا ثابتة للبلاد، والقول الفصل في المحصلة يكون للمؤسسات وليس للأشخاص. مع ذلك، يبقى للرئيس وإدارته هوامش كثيرة تسمح بحيّز واسع من التغييرات في الداخل والخارج، وتكتسب هذه الهوامش أهمية إضافية، عندما يتعلق الأمر بإحداث تغييرات ملموسة في مسار البوصلة الأمريكية، بالنسبة لدول كثيرة، دون أن يؤثر ذلك على المصالح الكبرى للولايات المتحدة الأمريكية.
لذا ما يحدث في أفغانستان ليس سوى مخطط مرسوم، وما قاله الرئيس الامريكي جو بايدن أثناء حملته الإنتخابية ومن قبله ترامب نُفِذَ الآن حسب ما اقتضت مصلحة أمريكا وبالتوافق مع حلفائها الأوروبيين وإسرائيل وأيضاً روسيا والدول الإقليمية.
جميع الدلالات والإشارات توحي بوجود خلط أوراق قديمة وترتيب أوراق جديدة لكافة السيناريوات في المنطقة، والانسحاب الأمريكي سيكون نقطة الفصل بين ما كان قبل الانسحاب وما بعده، وخاصة بعد أن وصلت الفوضى في منطقة الشرق الأوسط إلى مستوى يمكن الاستفادة منها لخلق جغرافية جديدة وفق سيناريوهات واستراتيجية المصالح ونفوذ الدولة الأمريكية ومن خلفها اسرائيل.
لا يمكن المقارنة بين ما حدث، ويحدث في أفغانستان وبين العراق وسوريا والخليج والظروف بينهما، أمريكا التي تعمل على فرض هيمنتها ونفوذها على العالم لن تتخلى عن الشرق الأوسط التي تعتبر هذه المنطقة مركز السيطرة والمراقبة على العالم عدا ما تختزنها من قوة إقتصادية وجغرافية وبشرية هائلة لا يمكن الاستهانة بها أو تجاهلها أو الاستغناء عنها، فمنطقة الشرق الأوسط تعتبر قلب العالم والمؤثر فيها ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، من له نفوذ وسيطرة على هذه المنطقة يسيطر على العالم أجمع من جميع النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية وحتى الدينية.
طبعاً، سياسة التوازنات هي الأساس في هكذا إنسحابات، ولأمريكا أهداف مرسومة وفق معايير مصالحها ومصالح حلفائها، هذا الإرباك الحاصل بين الدول الذي أعقب إنسحابها من أفغانستان ليست سوى وسيلة إبتزاز ومقايضة، والوضع العراقي والسوري سيكون من أولويات هذا الابتزاز وليس كما يظن البعض أن أمريكا أدارت ظهرها للملف العراقي والسوري، بل كانت عملية ابتزاز ناجحة، وستظهر ملامحه في الفترة القادمة.
أما إقليم كوردستان سيكون له شأن عظيم في المستقبل القريب، نتيجة الظروف التاريخية والنضالية وأيضاً الذي يتعلق بالظروف الذاتية والموضوعية للكورد والوعي القومي والاستعداد للدفاع عن حقوقهم، إضافة إلى السمات التي يتحلى بها الكورد من الإخلاص والوفاء والتضحية التي لمستها الدول العظمى، وخاصة أمريكا في الكورد وشخصية الرئيس مسعود البارزاني.
هذا الانسحاب سيأتي بالوبال على الحكومة الإتحادية إن لم تتدارك هذا الخلل، وكذلك في سوريا سيكون للكورد دور كبير في السياسة السورية ومستقبلها، مهمة أمريكا تشكيل قوة كوردية بالتشارك مع كافة مكونات المنطقة لفرض إملاءات جديدة وضاغطة على النظام السوري وحلفائها. المطلوب من الكورد العمل بروح المسؤولية ومد يد الثقة والإتحاد في ما بينهم لتكون على قدر المسؤولية أمام أمريكا، حتى تحوّل تعاونها العسكري في محاربة داعش إلى التعاون السياسي لفرض الأمن والأمان وأيضا وسيلة ضغط لتكون الحليف التي يمكن الاعتماد عليها من قبل أمريكا.