عبدالعزيز قاسم
انهار النظام السوري(البعثي)، بعد أكثر من ستين عاماً على الإنقلاب العسكري الذي قاده حزب البعث العنصري عام 1963 وما تلاه فيما بعد من استبداد وظلم ودق المسمار الأخير في نعشه في يوم الثامن من ديسمبر.
أدخل حزب البعث طيلة فترة حكمه الاستبدادي البلد في نفق مظلم وككرة الثلج كانت التحديات والأزمات الداخلية تتزايد وتتعمق وتتسع خلال حكم البعث الإنقلابي، والذي كان يعتاش على المتناقضات وإفتعال الأزمات، بعيداً عن منطق الدولة والقانون ولقد أوصلت نهج الإستبداد واللادولة أركان النظام إلى طريق اللارجعة أو فيما يُعرف بمرحلة ” عنق الزجاجة “، وفي حقبة البعث مورست سياسات ومشاريع عنصرية للقضاء على الوجود القومي الكردي، وجاءت الانتفاضة الكردية في 2004 كرد طبيعي على سياسات ومشاريع النظام وسياسات حزب البعث، وكانت للانتفاضة الاثر الكبير على تجاوز السوريين حالة الخوف وعلى انطلاق ثورة شعبية عارمة في عموم البلاد على النظام العنصري الديكتاتوري في عام ٢٠١١ ورغم الانتكاسات والتكاليف البشرية الهائلة وسرقة الثورة السورية من قبل جماعة الاخوان المسلمين وتسليمها للدولة التركية على طبق من ذهب.
لقد تعمقت الأزمة السورية بفعل التدخل القطري- التركي من جهة لصالح مشروع الإسلام السياسي والتدخل الايراني ومليشياته لصالح النظام إلى أكبر أزمة إنسانية وإقتصادية وسياسية في المنطقة، وخلال السنوات الأربعة عشر العِجاف والأخيرة من عمر “دولة البعث” ونتيجة ً لاستمرار النظام في قمع الشعب وفشله في حل المشاكل المتراكمة والمرحلة للمراحل المتعاقبة وحالة اللامبالاة والإزدراء تجاه الاستجابة للمطالب الشعبية عامة والكردية خاصة؛ وإستنجاده بالنظام الإيراني وميليشياته في قمع الثورة، ومما زاد الطين بلة ً هي في التدخل التركي السافر وإحتلاله للعديد من المناطق الكردية وبمساعدة فصائل موالية ومرتزقة إرهابية ساهمت في تدمير البنية التحتية بشكل ممنهج مما أدخل الإقتصاد السوري في نفق “التضخم الركودي” وهي إحدى أصعب التحديات الإقتصادية وغير القابلة للتجاوز في ظل الثورات والحروب؛ سيما بغياب دوران عجلة الإنتاج والتشغيل …..
وكما أنّ النظام البائد وهو في أحلك أيامه وهو يُصارع الموت كان لا يزال في “برجه العاجي” وفي نرجسيته المعهودة، ورغم الكم الهائل من المسائل والقضايا العالقة فقد كان لا يزال يدعم ويمول الإرهاب وكان له اليد في ظهور العشرات من التنظيمات الإرهابية وبغياب معارضة حقيقية ديمقراطية مستقلة تكون بديلاً للنظام الديكتاتوري فقد استمر في حكم البلاد.
والان بعد انهيار النظام وبقاء ملفات عالقة من دون حل والتي في عهدة السلطة الجديدة، ليصطدم حل العديد من تلك القضايا والملفات كالقضية الكردية وقضايا الاقليات عامة وبناء دولة فيدرالية لامركزية بالشروط والمطالب التعجيزية لأنقرة وتبريراتها أُحادية المصلحة وغير المبررة والتي تصب في خانة ضرب أية مكتسبات مشروعة مستقبلية للسوريين عامة وخاصة للمكون الكردي في سوريا، متذرعة في ذلك محاربة الإرهاب وفق منطق وأجندات ومطامع أنقرة والتي لا تزال تفكر بعقلية الطورانية التركية وأوهام ‘الرجل المريض’ .
وبالتدخل التركي السافر في الشأن الداخلي السوري فلن تشهد الأخيرة الدعم الدولي المطلوب لإعادة اعمار سوريا، وبغياب الاستقرار الداخلي فإنها سوف لن تكون بيئة جاذبة للإستثمار ولا سيما الأجنبي وبغياب إرادة سورية تحد من طموحات أنقرة المتزايدة على حساب الأمن القومي السوري فإن الضغوط الشعبية والمطالبات بتحسين الوضع المعيشي والأمني ستصبح كتلة ضاغطة ستعمل في الإتجاه المعاكس لتطلعات الحكومات السورية المقبلة، وجدير بالذكر أنّ إعادة الإعمار سوف لن تُقدم لدمشق على شيك من بياض وأنّ الأقوال يجب أن يقترن بالأفعال وسوف لن تُرفع العقوبات الدولية وهي مرهونة بأفعال حكومة دمشق ومدى إلتزامها بمعايير حقوق الإنسان وشرعة الأُمم ونبذ فكر الإقصاء وأيتام البعث والطورانية لهي المدخل والخطوة الأُلى في الطريق الصحيح وأود الإشارة لكلمة وزير خارجية الحكومة السورية المؤقتة؛ أسعد الشيباني في المنتدى العالمي 2025 في داڤوس قائلاً: “ورثنا دولة فاشلة …دولة من دون وجود نظام إقتصادي ….” ولقد حددفي خطابه أجندة حكومته؛ مشيراً إلى أنّ السلطات الجديدة ستركز على خمسة أهداف رئيسية؛ بما في ذلك الطّاقة والبنية التحتية ومصدر هذين الموردين الإقتصاديّن هما سد الفرات وحقول النفط والغاز في كلٍ من الحسكة والعمر في ديرالزور وهي موارد لا تزال تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وبدون هذين المصدرين فلن تستطيع أية حكومة سورية من تجاوز تبعات الحرب بما فيها إعادة إعمار البلد بصورة مستدامة، وكما تطرقتُ فإنّ الحرب الشعواء من قبل تركيا على الكرد، إنما هي حرب على السوريين جمعاء ومخطئ منّ يعتقد انّ تركيا ستنسحب من أية أراض سورية أحتلتها في أعقاب الحرب السورية وعبر وكلائها ممن كانوا يُسمون بالمعارضة أو الجيش الوطني، وانّ سعي تركيا الحثيث للحصول على حصة الاسد من مشاريع اعادة الاعمار في سوريا وإملاءاتها للحكومة الإنتقالية وإبرام إتفاقات مشبوهة كإتفاقية ترسيم الحدود البحرية وإمتيازات بحرية على الساحل السوري ونيتها في الشروع بتدريب الجيش السوري الوليد أو بناء قواعد عسكرية في العمق السوري وغيرها هي أمور غير قانونية وليست من صلاحيات الحكومة الحالية ويجب إدانتها وعلى من يتشدقون بوحدة الأراضي السورية وسيادتها التنديد بها وفضح الدور التركي كوصي على السوريين وهم ليسوا بقُصّرٍ أو حديثوا العهد بالسياسة!
وعلى ذكر المواقف الدولية، يتبادر للذهن تساؤل مفاده؛ هل ستسلم الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل على وجه الخصوص مستقبل سوريا لتركيا؛ وتسمح للأخيرة بالسيطرة الجيوسياسية والإقتصادية على موارد وثروات وإرادة السوريين؛ أم أنها ستحطم طموحات المشروع التركي كما حطمت تلك الدول طموحات المشروع الإيراني فيما يُسمى ب ” الهلال الشيعي ” وعبر وكلائها في أكثر من دولة كحزب الله اللبناني على سبيل المثال لا الحصر ؟ !
وفي الختام؛ يمكننا القول أنّ الحدث السوري إنما كانت نتيجة ً وليست سببا ً لأحداث السابع من أُكتوبر من العام الفائت، إثر هجوم منظمة حماس على إسرائيل في قِطاع غزة وما آلتْ الأُمور بعدها من تحركات عسكرية إسرائيلية في غزة ولتمتد للجنوب اللبناني وتدك معاقل حزب الله وليمتد للحوثيين في اليمن وأمتدت لتشمل إيران ووكلائها في العراق وليمتد المشهد إلى سوريا، ولقد شعرت إسرائيل بأنّ هناك من يسعى لتهديد وجودها وبأنّ الخطوط الحمر المرسومة سابقاً للأنظمة الاقليمية لم تعد لديها اعتباراً ! وهذا ما صرح به رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي عبر تهديده الصريح للقيادة السورية السابقة؛ في أنّ المنطقة على وشك تغييرات جيوسياسية مقبلة وأنّ سوريا ستكون في قلب الحدث!
وبالفعل ما هي أيام حتى سقط النظام في مشهدٍ دراماتيكي كغيره من الديكتاتوريات الإقليمية …
وهناك من يذهب في تحليلاته إلى أبعد من ذلك كوجود صفقة محتملة بين كل من روسيا وأمريكا وإسرائيل على تسليم سوريا لهيئة تحرير الشام واخراج سوريا نهائياً من تحت الوصاية والنفوذين الايراني والتركي على السواء وبالتالي لم تعد لمنصة آستانا من أهمية وفاعلية.
ان الخشية هي في إبرام اتفاقيات وتقديم تنازلات وخدمات وبوساطة قطرية مشبوهة كالعادة، تقوم تركيا من خلالها وتحت أنظار الإدارة الأمريكية الحالية في سوريا كعرّاب ووسيط مشبوه النوايا مع إسرائيل إلى صفقة يدفع ثمنها السوريون عموماً والكرد خصوصاً وبالتالي اجهاض التغيير المنشود، وبالتالي فرض نموذج الدولة الفاشلة على سوريا.
لذلك فأهمية حل مشاكل سوريا وبخاصة حل المسألة الكردية والمسائل الاقتصادية والسياسية الاخرى تكمن في توحيد الرؤى الوطنية حول سوريا المستقبل كدولة تحترم حقوق الاقليات القومية والطائفية هي ضرورية أكثر من أي وقت مضى، ولا بدّ من استغلال الموقف الأوربي الداعم لمساعدة السوريين في ايجاد حلول مناسبة لمشاكلهم العالقة والإشادة به خصوصاً أنه موقف نابع كما يبدوا من نظرة أخلاقية وبخاصة الموقف الفرنسي بخلاف مواقف تركيا الخبيثة التي لاتريد الخير لسوريا ولا تقيم وزناً لحقوق الشعوب والدول …….