أردت هنا اقحام بعض جوانب الثقافة بالكياسة والسياسة، وإبداء الرأي حول موضوع افتتاح “رابطة كاوا” الثقافية وبعض الجمعيات المجتمعية الأخرى مكاتبها في مدينة قامشلو .!من الطبيعي أن نسدل الستار عن فصلٍ من فصول الرعب الكوردي القاتل ونبحث في بطون الوجود عن التقاطعات والمشتركات مثل كل شعوب الأرض والأقوام والأمم الأخرىٰ، تلك الشعوب التي خرجت من رحم الصراعات والحروب الأهلية القاتلة والحارقة والجارفة، وأرادت العيش ثانية تحت ضياء الشمس مع بعضها البعض، بغض النظر عن حجم الجماجم وبيادر العظام والأشلاء، الى جانب المحاسبة والمكاشفة والاعتذار للشعب في الأخير … المانيا … النموذج البارز .!
كورداغ … تنتظركم على أحرّ من الجمر .!
فبناء على هذه المقدمة الصغيرة وفي استقراء لمفاهيم التاريخ، أردت التأكيد هنا، على أنه من الطبيعي أن تلقىٰ “رابطة كاوا” الثقافية وغيرها من الجمعيات والتجمعات الكوردية، ومَنْ في حكمها في الغربة والمغتربات، الدعم الشعبي والنفسي والمعنوي واللوجستي اللازم من الشارع المجتمعي والثقافي الكوردي بمناسبة افتتاح مكاتبها في مدينة قامشلو.
فمن حيث المبدأ، لا يحق لأي سلطة أو لأحد أن يقف كمانعٍ وعائقٍ ضد إرادة الرجوع الى أرض الديار، ففي السابق كنا نعمل أيضاً في ظروف قاسية وعلى الأرض وفي ظلّ سلطة وحكمدارية النظام البعثي، وكنا متشبثين بالأرض والتراب، وذلك من منطلق “لا ثقافة بدون جغرافيا”. فالتشبث بالتراب خيرٌ من مليون برنامج حزبوي أو بيان سياسي هنا أو هناك. واليوم اذا قام البعثي بالسماح للكورد برفع العلم الكوردستاني أمام البرلمان كعلمٍ من أعلام الوطن السوري وفي شوارع مدننا السورية، مثله مثل باقي الاعلام والرموز الوطنية الأخرى، فما الضير من هذا.؟ وأعتقد بأنه لا مانع لدى الكورد وقتئذٍ بالعودة الى الديار، فصراعنا مع حزب البعث وغير البعث من الأحزاب والحركات، هو صراع ثقافي وحضاري وسياسي وليس صراع وجودي، إما أنا أو أنت.! وهذا الشيء ينطبق أيضاً على سلطة الـ PYD وأذرعها السياسية والأمنية. فإن كانت هذه السلطة تعترف بالكوردي الآخر المخالف والمختلف معها بالرؤى والسياسة كحالة نتاج فكري وثقافي وحضاري، وإن كانت تعترف بـ “آلا رنكين” وبيشمركة روج والمعارضين لها… فما أحلىٰ الرجوع الى أرض الوطن.؟
فلطالما الكوردوارية هي الميدان الأساسي المشترك والكبير بيننا وبين الفعاليات الثقافية والفكرية والسياسية، ولطالما أن بناء وتطوير الانسان والثقافة والمؤسسات المدنية الكوردية هي من أهم أهدافنا، سنبقى وبكل تأكيد داعمين لهذا المنحىٰ ولهذه الثقافة، ثقافة تقبل الآخر المختلف وثقافة الرجوع الى الوطن والعمل من هناك وعلى الأرض لمقارعة القهر والظلم والديكتاتورية، والمساهمة معاً في بناء الانسان والمؤسسات الثقافية والمدنية الكوردية، بالرغم من معرفتنا الكبيرة بوجود هذا الكم الهائل والمرعب من المعوقات والصعوبات، والتي تقف كعائقٍ كبيرٍ أمامنا وأمام إلتئام البيت الكوردي الداخلي وأمام الرأي الآخر والمختلف في البنية التفكيرية والسياسية. فنحن اليوم أمام تقاطعات تاريخية مهمة، لنعمل معاً بفتح الآفاق وبناء الجسور وقبول الآخر. فرجوع الفعاليات والشخصيات والتجمعات والأحزاب الكوردية الى داخل الوطن أمر محمود، وذلك من مبدأ العيش والصراع مع الظلم والظالم، خير من العيش في المخيمات المهترئة وبيوت القماش وصفائح التوتياء، و”عفرين” المثال الأبرز في الضياع الكوردي.
فالرجوع الى أرض الديار، هو ليس عيباً ولا نقيصة، فالعيب وكل العيب، هو أن تقوم هذه الجمعيات والمراكز الثقافية بطلاء جدار القهر والظلم والرعب بألوان السلام وبالزهور والورود البيضاء، وتنسىٰ ثقافة القتل والممارسات الديكتاتورية التي كانت سبباً رئيسياً لاقتلاع هذا الشعب من أرضه ومن جذوره، وأن تتستر على ممارسات وتصرفات هذه السلطات بحجة ترتيب البيت الكوردي.
بأسمي وبإسم زملائي في ” REWŞEN TV “نبارك افتتاح مركز “كاوا للثقافة الكوردية” بقامشلو , متمنيين لهم دوام النجاح والاستمرار، ونتمنىٰ أن يكون هذا الرجوع، مدخلاً وباباً عريضاً لعودة النشاط والنضال الكوردي الفكري والثقافي والأدبي والسياسي الى الداخل، وأن تكون راية ويافطة “الكورد والكوردوارية” فوق كل الاعتبارات السياسية والحزبية، وأن لا تنصاع ولا تخضع هذه المؤسسات والجمعيات للأجندات الغريبة والدخيلة، ونأمل أن نشاهد في قادمات الأيام افتتاح فرعٍ آخر لهذه الرابطة “كاوا للثقافة” وغيرها من التجمعات والجمعيات الثقافية الأخرىٰ في عفرين أيضاً. فشوارع عفرين اشتاقت اليكم ولنتاجاتكم كثيراً.
كورداغ … تنتظركم على أحرّ من الجمر .!
المانيا