كأنَّ التاريخ يعيد نفسه، حيث ظهرت حضارات عظيمة، واندثرت، قامت إمبراطوريات وممالك عملاقة، واختفت، تأسست دول كبرى وانهارت، معظمها سيطرت على العالم وحكمت بقبضة من حديد، والآن هذه الدول انكمشت أو لم يبقَ لها وجود.
وما آلَ إليه الآن من تحركات دراماتيكية وسياسية في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم، توحي أن هناك انقلاباً على كافة المفاهيم والثقافات الدارجة على الساحة الدولية، في وقت أصبحت الولايات المتحدة الأميركية (الآمر الناهي) في كل تفصيلة صغيرة أو كبيرة وكل شاردة وواردة، إضافة إلى سياساتها غير المعلنة ووجود تناقض بين ما تخرجها للعلن وبين ما تضمرها، وبذلك أدخلت الإرباك والشك والحيرة إلى مضاجع الدول الإقليمية والعالمية وخاصة حلفاءها، حيث بدأ يساورهم الريبة والخوف من أن ينقلب السحر على الساحر.
القوة الأميركية تفرعت وتعاظمت أكثر منذ أن انهار نظام القطبين العالمين بانهيار الاتحاد السوفييتي، وبدأ العالم يسير وفق أحادية القطب، ظهرت اضطرابات في العديد من الدول العالمية وتفكك المنظومة العالمية التي كانت تسير على مبدأ إرساء السلام في العالم وتوسيع اقتصاديات الدول وتقويتها، وكان كل قطب تُفتح آفاق التحديث والتطوير أي بمعنى الشكلية التنافسية في مصادر الطاقة والتكنولوجيا، انتشر الرفاه والسلام في معظم الاتجاهات العالمية.
بعد ان تحول النظام العالمي إلى القطبية الواحدة، بدأت انهيارات تتابعية لجميع الأوضاع إن كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية.
وكانت أولى الانهيارات تفكك تشيكوسلوفاكيا، من ثم الحرب الأميركية في افغانستان بعد هجمات الحادي عشر من أيلول عام 2001، والغزو الأميركي للعراق 2003.
في افغانستان سيطرت الولايات المتحدة الأميركية عليها لمدة عشرين عاما والغاية كانت محاربة الحركات الاسلامية المتشددة من حركة الطالبان والقاعدة، ولكن بعد هذه المدة تنسحب أميركا وتسلمها لقمة سائغة لحركة طالبان، دون الاكتراث إلى تداعيات انسحابها على الشعب الأفغاني من انتقامات جماعة طالبان.
وفي العراق، تم اسقاط النظام البعثي الصدامي، وتم تشكيل حكومة اتحادية، ولكن قامت أميركا بإطلاق يد إيران لتعيثها فساداً وظلماً، والآن العراق يغوص في مستنقع رهيب من الطائفية والعنصرية تحت رحمة الميليشيات الإيرانية الفاسدة والمرتزقة من جهة وصراع الكتل الطائفية على السلطة في بغداد من جهة اخرى.