قراءة: الكوردي في غرب كوردستان.. وأزمة “التحليلات”!!

الكوردي في غرب كوردستان.. وأزمة “التحليلات”!!

روماف – رأي

   يشد المواطن الشرقي في انتباهه إلى كل ما يجري الآن على الساحة الإقليمية والدولية، ويزيد من متابعته للشاشات الفضائية لمعرفة آخر الأخبار عن كل ما يحصل في ساحات الصراع، ويزيد من تركيزه إلى كل التحليلات والآراء لشخصيات سياسية واقتصادية وعسكرية، ومن ثم يُخلق لديه حالة تشويش وعدم فهم لكل ما يدور في أفلاك السياسة والمصالح، وهكذا تتحول الحالة إلى فقدان الأمل وعدم الثقة وتتشكل لديه عقد نفسية تحليلية مزمنة.

   لذلك يتحول هو نفسه إلى محلل ويعطي رأيه في السياسات الإقليمية والدولية ويفسر كل حركة أو حدث على حسب فهمه ومداركه والتي تكون دون ثقافة أو وعي، فيتخبط بالبراهين الغير واقعية كما ويصطدم بمَن حوله، كما هو الحال في الوضع الكوردي.

   تكثر الاجتهادات الكوردية السورية في التفنن بالحلول السياسية لـ العديد من الدول العالمية، كما  تعج الصفحات الزرقاء الفيسبوكية بالتحليلات والتعليقات للحرب الروسية الأوكرانية وما يجري من سياسات داخل تركيا أو بين تركيا وأمريكا أو روسيا واسرائيل، ويتفنون في طرح تحليلاتهم وتعليقاتهم على سياسة هذه الدول أو سياسة تلك الدولة، كما الآن وهم يطبقون تلك الفنون على الحرب الروسية الأوكرانية وموقف أمريكا وسياستها تجاه هذا الحرب وكذلك حرب إسرائيل وحماس وموقف الدول الكبرى تجاهها وأيضا سياسات دول الخليج من تحركات المصالح والمقايضات الدولية، دون أن يُسَخِّرَ هذه الإجتهادات والتفنن في التحليلات ووضع الحلول لحالته المزرية الذي وصل إلى الحضيض.

    كثيراً ما نرى اجتهادات للعديد من الكورد في التجمعات الإجتماعية أو السياسية وحتى على وسائل التواصل الإجتماعي حول الدخول في شؤون الدول الأخرى بما فيهم الدول الكبرى وحتى الإقليمية، وهم يتفنون في التحليل والتبسيط والاستنباط والتعليق للسياسة الإقليمية والدولية، يعمقون بالتفكير في التحليل لكل ما يجري على الساحة العالمية.

   يستهزئون بالقرار لدولة ما أو رئيس ما أو مسؤول ما أصدره أو إصدارها. بالنسبة لهم قد يكون قرارا يتوجب إصداره وتنفيذه لمصلحة قد تكون مخفية لغيرهم، أما ذاك الكوردي يبدأ بالاستهزاء والسخرية فقط لأن هذا القرار غير مقنع أو أنه غير مقتنع بذلك القرار، دون أن يتحرى أو يبحث عن سبب قيام تلك الجهة بإصدار القرار، وأن يعمل على الاستفادة من تجاربهم السياسية لغاية مصالح قضيتهم.

من يقرأ هذه العبارات سوف يسأل، إذا كان ذاك الكوردي مبدعا في التحليل والتبسيط، فلماذا لا يجتهد ويتفنن في تحليل وضعه المزري؟، ولماذا لا يحلل ولا يتعمق في تحليل ظروفه وسياسته وأوضاعه والبحث عن العقدة والمشكلة التي جعل منه مثار التشفي؟ واستنباط أدوات البحث عن الحلول تفيد في إخراجه من حالته الكارثية، طبعا هذا الحديث عن كورد سوريا.

  وَجَبَ على الكوردي قبل ان يتوجه إلى تحليل سياسات غيره، أن يتحرّى عن سياسته وسُبل التعامل مع أخيه الكوردي، وأيضاً كيفية تعامله مع من يقابله، واقصد المكونات المتعايشة بجواره، حتى الآن لا يستطيع الكوردي شرح معاناته وحقوقه المهضومة لها، فقط ما يقوم به إلقاء اللوم على الآخر وأنهم هضموا حقه ومارسوا عليه الظلم والقهر والحرمان!!، لماذا لا يسأل ذاك الكوردي عن السبب؟ لماذا يتقوقع ويتحور على نفسه ولا يفتح آفاق ايصال ما يعانونه أو يحسونه؟

   يأتي الكوردي ويقول، أنهم لا يقبلوننا ولا يريدوننا، دون ان يحاولوا يحكمون على عدم قبول الآخر له، حتى ولو كان ذاك البعض من الآخر مغطس من أسفله إلى أعلاه في الأفكار العنصرية والشوفينية التي تمّ غرسها في عقولهم لسنوات طويلة، وجب عليه – أي على الكوردي – ألا يستسلم لذلك، بل عليه أن يعمل على ذكر كل القيم والأفكار التي تحقق التسامح والمحبة والوفاء والتواصل والعمل بها مع نفسه ومن ثمّ مع الآخر، ودفع المقابل له على تغيير تلك الأفكار والمعتقدات الخاطئة.

   ألا يذكر الكوردي عند تأسيس سوريا الحالية، ألم يكن هو المميز والثائر والمدافع عن هذا البلد، ألم يكن أول رئيس لسوريا من إصوله وكذلك من لحقه من الرؤساء.

   حتى ذاك الحين كان الكوردي المثل الأعلى للشعوب السورية في الإخلاص والشجاعة والوفاء والبناء، كانت سوريا من أرقى الدول ديمقراطية، والوضع المعيشي في أوجه، كل ذلك كانت لوجود تلك الأفكار والقيم التي تُعبر عن التسامح والمساواة.

   تغيَّرت المفاهيم السورية تلك بعد وصول نظام الأسد إلى الحكم ، زرع ثقافة الكراهية والحقد والحسد في نفوس السوريين، فرّق بين جميع المكونات، وأكثر المكونات معاناة هم الكورد نتيجة لعب السلطات البعثية الحاكمة على وتر الوحدة العربية وأن الكورد حجر عثرة في وجه هذه الوحدة اتهامهم بالانفصالية. هذه المفاهيم تغلغلت في نفوس العرب السوريين، بذلك شكَّلت الأنظمة البعثية حاجزا بين الكورد والعرب.

هنا كانت المعضلة، حيث تقوقع الكوردي على نفسه وتكور في مجتمعه فقط، ولم يحاول التواصل وإفهام الآخر ان كل تلك المفاهيم الثقافية مغالطات بعثية غرستها في عقولهم ونفوسهم إلا ما ندر من محاولات ولكن كانت خجولة كـ إعلان دمشق، ولكن لم تكن في المستوى المطلوب.

لذلك كانت سنوات حكم البعث كافية لفرض حاجزاً قوياً بين الكورد والعرب، وهذه العنصرية التي تمارس ضد الكورد حصيلة تلك السنوات، ولا يمكن إزالتها بسهولة.

    إن ما يقوم به الكورد من اجتهادات في التحليلات السياسية والتفنن في شرح سياسة هذه الدولة أو تلك الدولة، بأن يدّخروا تلك الجهود في خدمة إفهام الآخر بقضيته وحقوقه وأهمية التشارك والتعاون بين جميع المكونات السورية من أجل تخفيف الضغوطات والأعباء حتى الوصول إلى الدول المعنية بالشأن السوري إلى حلول سياسية ينهي المشكل السوري.

   ما تمرُّ به المناطق الكوردية من أحداث وسياسات قد تكون كارثية، ومنه، يتطلب من الكوردي فهم هذه الأحداث والسياسات من خلال ادخار اجتهاداتهم في تحليل سياسات الدول المتصارعة وفهمها، والبحث عن ما يتوجب فعله من حركة سياسية تفيد في إخراج مناطقهم من هذه الدوامة الكارثية بأقل الخسائر. وأن يعلم الكوردي أن كل ذلك لا يمكن تحقيقه دون إدراك مدارات الغرف الراسمة لسياسات الدول والتواصل والتفاعل معها إلى جانب التكاتف وتوحيد الجهود والأهداف.

صفحتنا على فيس بوك

أقرأ أيضاً

مقالات أخرى