روماف – رأي
جانكورد – 22/01/2023
بدايةً يجب التذكير بأنه (إذا ما وطأت أقدام الجيش التركي أرضاً فإنه لا ينسحب منها إلاّ مرغماً.) وهذه الحقيقة إن غربت عن أعيننا فإننا سنخسر أجزاءً بعد أجزاءٍ من أرض آبائنا وأجدادنا، وهكذا كان الواقع تاريخياً، منذ أن إنطلق الأتراك من مراعيهم في أواسط آسيا صوب الغرب ودمروا أمامهم كل الممالك والإماراتٍ واستولوا على ما سيطروا عليه بالقوة، حتى وصلوا إلى بلاد اليونان والبلغار والصرب، ومعلوم كيف أنهم بنوا من خلال سفك الدماء إمبراطوريتهم العثمانية التي كانت أراضيها الممتدة في كل الإتجاهات مثل أقراص العسل ينهبونها كيفما ومتى شاؤوا.
كانت منطقة جبل الكورد (مركزها عفرين) في ظل الدولة العثمانية مهملة عمرانياً بشكل يدعو للرثاء، إلاً أنها كانت أحد مصادر تمويل تلك الدولة من حيث الضرائب المرهقة وسائر أشكال إبتزاز الثروات والخيرات، واعتمد الأتراك على عمودين لسلطتهم الاستعمارية الشرسة، بث الصوفية المخالفة لأصول الدين الحنيف بين الشعب في المنطقة، والتجهيل الممزوج بالتتريك، مثل تجنيدهم لحركة (الشيخ إبراهيم الخليل) بحيث ساد التخلّف والفتن الطرائقية والقتل وسيادة الجندرمة والموظفين المتخمين بالرشاوى وسلب المواطنين محاصيلهم وما يجنونه من مزارعهم التي كانوا يكدّون فيها طوال السنة.
فثمة أسماء مثل (سمرقند) و (خراسان) وسواهما ولكل سلطانٍ عثماني فصيل خاصٌ به في سوريا، ومن دون تلك الفصائل المتطرّفة والإرهابية ما كان للحكومة التركية أن تظفر في حربها على الشعب الكوردي رغم بطشها
الكاتب
بعد إنفراط عقد العثمانيين جاء العروبيون إلى حكم سوريا، فبدأ حكم الآغاوات الذين لم يختلفوا عن باشاوات النظام العثماني عقوداً من الزمن، إلى أن سيطر البعثيون على حكم البلاد وبدؤوا بتنفيذ جميع سياساتهم العنصرية حيال شعبنا الكوردي منذ أن سيطروا على مؤسسات الدولة، ومن بعدهم بدأ عهد الجنرال حافظ الأسد الذي حوّل سوريا إلى مزرعةٍ طائفية بكل معنى الكلمة، وقام بتدجين الحراك السياسي – الثقافي الكوردي، حتى وصل الأمر إلى أن بياناً سياسياً أو حزبياً كان يجب عرضه على مسؤولي الأمن السياسي العنصري قبل نشره بين الشعب، فهلل الكورد وكبّروا للنظام أو عارضوه برفقٍ ولطف، عندما شعروا بأنه قد أفسح المجال لنشاط حزب العمال الكوردستاني الذي تأسس في شمال كوردستان وهرب قائده إلى سوريا على أثر الإنقلاب العسكري الدامي للجنرال كنعان إيفرين في عام 1980، ظنّاً منهم بأن الحكم الأسدي سيسمح لهم بأن يمارسوا حقوقهم في ظل إحتوائه لكل ما هو كوردي، وسرعان ما إنخرط الحزب غير السوري في الحرب التي أرادها نظام الأسد لأسباب تتعلّق بالخصومة على مياه نهري الفرات ودجلة مع تركيا التي سعت من خلال بناء سدودٍ حجز أغلب الماء المتدفق ومنع إيصاله إلا القليل منه إلى سوريا والعراق، واعتقد الكورداغيون قبل غيرهم أن الخطوة الأولى على الطريق صوب الحرية والاستقلال في كوردستان قد بدأت. وكانت للأسد غاية أخرى، ألا وهي فرض الآبوجيين على كافة الحركة القومية الكوردية – السورية وتقليم أظافر الكوردستانيين المؤيدين تاريخياً للنهج البارزاني و زجّ الكورد مستقبلاً في أي حربٍ على الإسلاميين والشيوعيين في سوريا إن اقتضت الحال. بمعنى أن دعم الأسد للحركة الأوجلانية لم يكن من دون أسباب وجيهة. إلاّ أن تعاظم القتال ضد تركيا في شمال كوردستان وتحت رايات الأممية لحزب العمال بدأ يثير غضب الأتراك، مما أرغم ذلك النظام الأسدي على توجيه إتجاه الزعيم الكوردي صوب اقليم جنوب كوردستان بهدف القضاء على الحركة البارزانية وإنهاء وجودها، كما أن ذلك يخدم السياسة الإيرانية المعادية كالسياسة التركية لتنامي القوة في أيدي الكورد أينما كانوا، ومع الأسف نفّذ الآبوجيون ما طُلِب منهم وأعلنوها حرباً سياسية وأحياناً عسكرية شاملة على الحركة البارزانية سواءً في جنوب أو غرب أو شمال كوردستان، ولكنهم فشلوا في ذلك فشلاً ذريعاً، إلاّ أن الآبوجيين رغم تغيّر سياستهم تحت وطأة التهديدات التركية لهم بغزو شمال سوريا، واختطافهم بمساعدة دولية لرئيس حزبهم من كينيا، ظلوا حتى إندلاع ثورة الشعب السوري على نظام الأسد بعد سلسلة الثورات في العالم العربي، قادرين على الحوكمة الفعلية والعنفية على غرار حكم بول بوت في سائر المنطقة الكوردية في شمال سوريا والتصرّف لأكثر من عقدين من الزمن ك”إدارة ذاتية” تحت رقابة أنظار المربعات الأمنية للنظام في القامشلي والحسكة وكوباني وعفرين وغيرها من المدن ذات الأغلبية الكوردية.
ولكن هذا لم يرق للأتراك والإسلاميين-الطورانيين منهم خاصةً، فانتظروا إلى أن سنحت لهم الفرصة، فإذا بهم يغزون منطقة جبل الكورد ومدينتها الرئيسية عفرين، بعد 58 يوماً من مقاومة كوردية شرسة، كان متوقعاً من معظم المراقبين أن تركيا التي تملك جيوشاً جرارة كثاني قوة عسكرية في حلف النيتو ستقهر تلك المقاومة التي تذكرنا بمحاولة وزير الدفاع السوري الشهيد يوسف العظمة (الكوردي الدمشقي) بقوةٍ عسكرية صغيرة صد قوات المحتل الفرنسي في عام 1920. وحقيقةً تتحمّل قيادة حزب العمال مسؤولية استشهاد الآلاف من أبناء وبنات الكورد في معارك غير متكافئة عسكرياً وسياسياً في تلك المواجهة، وأن التهديدات الفانتازية لتلك القيادة بحرق أنقره وحمل صور زعيمها المعتقل لدى الأتراك في مواجهة المخافر التركية الحدودية صارت مثار سخرية لكل المهتمين بالشأن الكوردي. لقد سخّرت الحكومة التركية لتبرير غزوها للأراضي السورية وترسيخ أقدامها في المنطقة الكوردية على جيش الثوار السوريين الذي تحوّل خلال سنوات القتال ضد الأسد وداعميه الروس والإيرانيين وحزب الله اللبناني إلى فصائل تحمل أسماء إسلامية أو لقوميات وطوائف لا علاقة لها بالشعب السوري، وكأنها تعمل من أجل تحويل سوريا إلى أفغانستان شرب – أوسطية، فثمة أسماء مثل (سمرقند) و (خراسان) وسواهما ولكل سلطانٍ عثماني فصيل خاصٌ به في سوريا، ومن دون تلك الفصائل المتطرّفة والإرهابية ما كان للحكومة التركية أن تظفر في حربها على الشعب الكوردي رغم بطشها، ولم تكتفِ بذلك بل جنّدت في إحتلالها لعفرين عدداً هائلاً من الشيوخ الذين فرضت هي عليهم إصدار فتوى تفسح المجال أمام تلك الفصائل المجرمة أن تسلب وتنهب كيفما شاءت في المنطقة الكوردية بذريعة أنها في حرب إسلامية على الإرهاب الشيوعي وعلى الكورد الإيزديين المتهمين ظلماً وعدواناً بأنهم مشركون وعبدة شيطان، رغم أنهم مؤمنون بالله الواحد الأحد ويكرهون حتى لفظ كلمة شيطان، فبدأت الفصائل بالنهب والسلب الشامل وحرق الغابات وقطع أشجار الزيتون المباركة بالجملة لتحويلها إلى حطب بيع في الأسواق، و انتهاج سياسةٍ حاقدة أرغمت مئات الألوف من شعبنا على النزوح والعيش في المخيمات أو الهجرة عبر البحار وأسلاك الحدود الشائكة صوب أوروبا، وتم إسكان الغرباء من عربِ وأويغورٍ وتركمان في بيوت الكورد، لدرجة أن بعضهم أُرغِمَ على السكن في باحة داره في خيمة مهترئة ودفع إيجارها للغرباء الساكنين في منزله… وتجري كل الإنتهاكات لحقوق الإنسان من تعذيبٍ واختطافٍ وتقتيل تحت أنظار وعلم القوات التركية المحتلة لعفرين. بل إن الأتراك إستعانوا في استمرار إحتلالهم البغيض للمنطقة بمعظم فصائل الحراك السياسي المعارض لنظام الأسد في سوريا، ومع الأسف يبرر بعض حكمائها (ومنهم كورد) كل هذه الخروقات لحقوق الإنسان في المنطقة الكوردية بأن قوات (قسد / مسد / حمد) الخاضعة لحزب الإتحاد الديموقراطي المتلّون بألوان أعلامه التي لا تحصىى تعمل مع نظام الأسد ومع الأمريكان، وفي هذا شيءٌ من الحقيقة، إلاّ أنه لا يبرر قيام الفصائل المتطرّفة بكل الجرائم ضد الإنسان والطبيعة والآثار والوجود القومي الكردي بأسره، ومن المعيب حقاً أن يؤيد بعض (زعماء!) حركة الشعب الكوردي السوري هذه المجاميع التي لا دين ولا إيمان لها، ديدنها السلب والنهب، وتفعل بشعبنا ما لم يفعله حتى التتار والمغول في غزواتهم، وإن رأس النظام الأردوغاني مسؤولٌ بالدرجة الأولى تجاه هذه الإنتهاكات الخطيرة، وفي مقدمتها سياسة (التغيير الديموغرافي) من خلال بناء مستوطنات استعمارية دنيئة الغايات بالتشارك مع الكويتيين والفلسطينيين في المنطقة الكوردية، في حين أن الشعب الفلسطيني أحوج بالمساعدة من غيره في
أرضه وفي المهاجر.
ومما يؤسف فعلاً هو أن بعض زعماء المجلس الوطني الكوردي – سوريا، تماشيأ مع مصالحهم الحزبية والشخصية وبسبب خلافاتهم العميقة مع (قسد ومسد) لا زالوا متشبثين بكراسيهم في هياكل ما يسمى بإئتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، على الرغم من معرفتهم التامة بما حدث للمناطق الكوردية المحتلة من قبل الجيش التركي ومرتزقته الإرهابيين من قمع للشعب الكوردي ومحاولةٍ مستمرة لإرغامه على النزوح وما تنفذ في تلك المناطق من تغيير ديموغرافي خطير بستهدف الوجود القومي الكوردي بأجمعه، وفشل المجلسيون حتى اليوم، رغم وضعهم أعناقهم طوعاً تحت مقصلة المحتل التركي بذرائع وحججٍ ما عادت تغيّر من وضع التخريب والتدمير لبنى شعبنا الأساسية، في أن يفتتحوا لهم ولو مكتباً صغيراً في هذه المناطق التي يعتبرونها “محررة!”، أفما آن الأوان للتفكير بجدية بشأن الحفرة التي أوقعوا أنفسهم فيها اختياراً وليس رغماً عنهم؟
إن الكورد يتعرّضون لخطر زوال وجودهم القومي في منطقة عفرين، مثلما أزاله الآذريون والأرمن من (كوردستان الحمراء) في اقليم كاراباخ، وكل هذه المشاريع التدميرية لشعبنا المغدورة ومنها القضاء على الثقافة العريقة لأهل المنطقة يتم إنجازها بالتعاون والتنسيق بين أعداء الكورد وكوردستان، ورأس الحربة فيها هم العنصريون الأتراك وأصحاب العمامات في طهران وقم. ونداؤنا للعالم الحر هو ألا يستمر في سكوته على ما يحدث في المناطق الكوردية في شمال سوريا عامةً وحيثما يعيش الكورد الإيزديون خاصةً.