روماف – ثقافة
شمس عنتر
القسوة تكاد تخلع الناس من جلودهم والذين لا يقسون على الآخرين يقسون على أنفسهم….
ليلى الجهني….
عرس جنائزي هكذا وصفته إحدى النسوة .
العروس كل شيء فيها يبكي إلا عيناها .
مكومة بجانب العريس الذي كل شيء فيه يضحك ! كأنه طفل وقد حظي بحلواه المشتهاة ، يلف برقبته كرقبة البوم محدقا في وجوه الحضور ، الصامت .
نورا التي رافقتها حسرة عدم اكمال دراستها الجامعية لكنها كانت رغم ذلك ترى نفسها محظوظة بالزواج ممن تحب . وائل، الفنان الذي كان يعزف لها حين سقطت قذيفة على دارهم في رأس العين، فتحولت آلته الموسيقية مع جسده إلى أشلاء .
ثلاث سنوات وهي تعيش في حي العنترية في قامشلو.
كان التحرش قد أصبح أمرا اعتياديا فهي الأرملة الصغيرة الجميلة .
تذهب مع ابنها إلى المدرسة ، وتعتني بأطفال الروضة مقابل بدل مالي زهيد.
المدير يشكو لها من برود زوجته ومعاناته معها .
والأستاذ رفعت الذي ينتظر موافقتها لتكون الزوجة الثانية.
و أبو محمد ، والذي يخشى من ظل زوجته ، يدق عليها الباب في اليوم عدة مرات، وكل مرة بحجة جديدة .
وعيون الجيران كاميرات ترصد حركاتها بدقة متناهية.
ذات صباح كانت بسوق الجمعة واشترت بعض الحاجيات ، حين تقدم منها رعد وهو يتلعثم .
أن اعطيتني خمسة مئة ليرة أحمل عنك حاجياتك الى البيت .
اشفقت عليه ،لاهتراء ملابسه وثقل لسانه ونظراته المكسورة، وجسمه النحيف . العازة كانت مرسومة عليه بكامل أركانها .
ادخلته بيتها وقدمت له بعض الطعام، ضحكت عيونه البريئة وصار يلاعب ابنها ، سرّ الطفل كما لم يفعل منذ زمن طويل.
وتكررت زيارات” رعد المجنون”. هكذا ينادونه في الحارة.
ذات أمسية شتوية بقي رعد يلعب مع ابن نورا لساعة متأخرة فأشفقت عليه وسمحت له أن ينام ليلته مع ابنها.
وفي الصباح وفجأة ارتفع صوت أم محمد وهز الحارة حين لمحت رعد خارجا من عند نورا.
لم تبقي على صفة بذيئة إلا والصقتها بها .
حتى ايقنت من تجمع أكبر عدد من أهل الحي ،
فاختتمت : لن نسمح بفتح بيوت للدعارة في حارتنا!
وكثر اللغط ، البعض يشتم والبعض يتوعد بتنظيف الحارة والبعض الآخر اكتفى بالفرجة .
وأيقنت نورا أن شجرتها هوت والكل يحاول التسلق عليها .
حان وقت العقاب إذا والألسن تلوك والافئدة انقلبت صخور.
مجرمٌة بلا ذنب ومدانٌة بلا تهمة .
تذكرت مقولة جدتها،
“اللي ربنا متمم لها سعادتها يطلع جوزها بجنازتها”
فصرخت فيهم ، جميل أنكم حاضرين ، اليوم عرسي .
ساعات وكان الشيخ يعقد قرانها على رعد المجنون ، الحضور بين قلوب شامتة وعيون حاسدة.