معظم القوى في الشرق الأوسط، أدوات بيد الدول الكبرى، القيادات الكوردية، والمعارضة السورية وشراذمها من ضمن الحلقات الأضعف في السلسلة، واللقاء الذي جرى، بين السيد الرئيس مسعود برزاني ومعه إدارة الإقليم ورئيس الائتلاف نصر الحريري المشارك في جرائم عفرين بشكل أو أخر وتوابعه من المرتزقة، كانت بإملاءات إحدى تلك الدول، رفضها تعني وضع نهاية للذات، إن لم تكن لحظتها فستكون بعد مرحلة. فمن المناسب تناول ما جرى على هذا المنطق، وإلا فسندخل في دوامة التآكل الذاتي، وموادها التخوين والتفخيم الذي يكاد أن يدمر مجتمعنا الكوردي.
الإدارة الأمريكية الجديدة قلبت العديد من المعادلات في المنطقة، وحركت أطراف سياسية، قبل أن تظهر هيئاتها الدبلوماسية على الساحة، سبقتها رسائل تهديد وتحجيم لروسيا وإيران وتركيا، في كل المناطق الساخنة ضمن الشرق الأوسط، وأعادت النظر في بعض القضايا، ومن بينها القضية الكوردية وهيمنتها على شمال وشرق سوريا والتي أرادت إدارة ترمب تهميشها أو المقايضة بها مع بعض الدول الإقليمية لمصالحها الاقتصادية.
فما تم في الإقليم الفيدرالي، كانت في الواجهة دعوة لرئيس منظمة مشاركة في جرائم عفرين وسري كانيه وكري سبي وغيرها من المناطق السورية، أدرجت من جهة على أنها إعادة اعتبار للمجلس الوطني الكوردي وما يعانيه من تهميش ضمن الائتلاف، ومحاولة يائسة في تقويته لمواجهة الإدارة الذاتية، ونددت من جهة أخرى على أنها فتح أقنية مع المعارضة السورية على حساب ألام ومآسي الشعب الكوردي في عفرين. ولا يستبعد من أن القوى الإقليمية، ومن خلفية الهدف الرئيس لمجريات الأحداث ومن ضمنها هذا اللقاء، تحاول تقويض المفاوضات الكوردية-الكوردية، لتبيان الضعف الكوردي أمام القوى الكبرى والتي تتداول قضيتهم ضمن ملف مستقبل سوريا، وقد يكون هذا درس أمريكي يسبق من يخالف مصالحهم، فعدم العودة إلى الحوار وتشكيل هيئة تمثل الشعب الكوردي ستطعن في مصالح الوجود الأمريكي في المنطقة وسوريا عامة، وإلا فإن الإدارة الأمريكية على دراية بما ينوي عليه الائتلاف وعرابه؛ للقوى الكوردية.
وما وراء الستارة كانت اللقاءات، على الأغلب، تنفيذاً لإملاءات ممثلي إدارة الرئيس جو بايدن، حتى ولو كانت ظاهرة فيها أيادي تركية، لأن تداول القضية الكوردية بهذه السوية لا تتلاءم ومصالح المعارضة ولا الدولة الراعية لها، وهم يتوقعون أن قادم الكورد في سوريا المستقبل قد تكون على سوية النظام الفيدرالي أو في مجالاتها الأبعد، لذلك أستغل رئيس الائتلاف نصر الحريري وظهر بهيئة متعالية في تصريحاته، فهو الأداة ويتوجب عليه تنفيذ ما أمر به، من قبل عرابه تركيا، وتركيا لا تزال تلعب في المنطقة ومنذ غياب الهيمنة الأمريكية دور الشرطي الشرس في الشرق الأوسط، وبالتالي أدواتها ستكون بنفس السوية الإجرامية، وهو ما نلاحظه من المنظمات المحتلة لعفرين وبشائعهم وتجاوزاتهم الفاجرة.
لكن مصالح أمريكا بيد الإدارة الجديدة لم تعد تنحصر في فرض الشروط الاقتصادية، أو حصار ما، بل في عودة الهيمنة والمحافظة على مناطق نفوذها، ودعم حلفائها، وتحديد أعداءها، وعلى الأغلب بدأت تظهر بوادر تحجيم، الدور التركي، والتمدد الإيراني، وحصار روسيا قبل الحوار معها على قضايا الشرق الأوسط، وعلى رأسها سوريا وليبيا، وكما نعلم تصعد من تدخلها في أوكرانيا، وبدأت تفتح الأقنية مع أرمينيا، وهنا فالقضية الكوردية تدرج ضمن الملفات ذات الأهمية الأولى لمصالحها ومصالح إسرائيل في المنطقة، وعليه لا بد وأن تكون لها ثقلها، وهو ما يدفع بادراه بايدن من إعادة ملف إدارة أوباما في بدايات تدخلها في سوريا عام 2014م، والمخطط الذي تم عرضه من قبل المجلس الوطني الكوردستاني- مركزه واشنطن في عام 2008 وتم مناقشته وبشكل واسع في بداية عام 2014م، وقد كان حينها النظام الفيدرالي الكوردستاني بجغرافية تمتد إلى البحر الأبيض المتوسط المخطط المتداول، وقد تقاعست فيه فيما بعد؛ الإدارتين وعلى مراحل، وسمحوا لتركيا وروسيا بطويه، عندما تغاضت روسيا عن احتلال عفرين، وفتح ترمب المجال لاحتلال ما بين سري كانيه وكري سبي.
تدرك إدارة جو بايدن أن القضية الكوردية لا بد وأن تمر من هولير، وتعني بصمات السيد الرئيس مسعود برزاني، وبالتالي لا بد من أدراجه في مجريات الأحداث، والحوار معه، لتشكيل هيئات تمثل الشعب الكوردي، وبما أن إشكالية الخلافات الكوردية في جنوب غرب كوردستان لا تزال قائمة، والائتلاف المدعوم تركيا طرف، فلا بد من إقحامها، ومجراهم في بعضه يجب أن تمر من إدارة الإقليم الفيدرالي، ونلاحظ أن حكومة العراق لم تبدي ملاحظة حول هذه اللقاءات، رغم تعارضها مع ميولها الإيرانية، وهي على دراية أن المخطط موجه في بعض جوانبه للحد من التمدد الإيراني وميليشياتها في سوريا والعراق، وهي حماية لإسرائيل توافق عليها روسيا، وهذا جانب مهم في عدم معارضة روسيا لما تؤول إليه القضية الكوردية في سوريا.
ومن المؤسف، أن اللقاء حمل معه آلام أهلنا في عفرين والمناطق الكوردية الأخرى، أضاف عليها نصر الحريري بتصريحاته كل البشاعات الممكنة، وتمادى فيها على خلفية السكوت السلبي لحكومة الإقليم، وصمت المجلس الوطني الكوردي، اللذين لم يتمكنا من وضع الائتلاف ورئيسها على منصة المحاكمة، على قوله بأن عفرين من المناطق المحررة، ولم يسألوه ماذا فعل هو وقيادة الائتلاف لشعبها ليشعروا بانهم فعلا محررين وليسوا تحت احتلالات منظمات إجرامية ومرتزقة، ولم يطلبوا منه أن يثبت لشعب عفرين أن المحرر أفضل من المحتل السابق، فجميع الوقائع تثبت العكس، وهي أن أبناء عفرين كانوا يعيشون في سلام، وهم يظهرون وفي كل يوم من الحوادث والجرائم ما تبين على أن نظام الإدارة الذاتية رغم تجاوزاتها كان نعيما مقارنة بالعصابات الإرهابية المدعومة من الحكومة التركية، ليس فقط بالنسبة للشعب الكوردي بل لكل مكوناتها العرقية والدينية، وللمجموعات التي كانت قد التجأت إليها من مناطق سوريا المختلفة.
المعضلة الأساسية في اللقاء تكمن في عدمية التوافق: بين استقبال السيد الرئيس مسعود برزاني وإدارات الإقليم الكوردستاني المأمول منهم حمل هموم الأمة الكوردية، لمسؤول عن الجرائم الجارية في عفرين مع حاشية مماثلة ترافقه، والمخططات الدولية المفروضة عليهم تنفيذها لقادم الأمة الكوردية. وقد كان بالإمكان الخروج من هذا المأزق بعدم السماح له التطاول بتصريحاته، والتبجح خلف ما أمر به لتنفيذه، ووضعه أمام الأمر الواقع، إما أن يعترف بجرائم منظماته في عفرين، أو لا يتطاول ويدعي بتحريرها من ضمن قاعات الإدارات الكوردستانية.
لهذا فمعاتبة أهلنا في عفرين، وشريحة واسعة من المجتمع الكوردي، لحكومة الإقليم وعلى رأسها السيد الرئيس مسعود برزاني ومن مكانه المشرف، لها تبريراتها، ولا نظن هنا أن التأويلات ستعوض ما تم، فالخطأ تكرر، وقد فعلها سابقا نصر الحريري، عندما طالب قبل سنوات من نفس القاعات تحرير المنطقة الكوردية وبمساعدة البيشمركة، لتحكمها قوات المعارضة، وكان يعني بها نفس المنظمات الإرهابية والمرتزقة الذين يعبثون اليوم بمصير شعبنا وقدره في عفرين ومناطقها.
علينا أن نتجاوز التخوين أو التفخيم لحل خلافاتنا، وندخل في حوارات أو حتى سجالات من باب الديمقراطية الفكرية، وعلى سويتها يجب أن نناقش قضايانا، كما كان يتناقش أهل أثينا على قضاياهم قبل 25 قرناً، مستندين على خلفية تراكم معرفي، بعيدا عن الحزبية، والتبعية العمياء، ونأمل أن تساهم حواراتنا ونقاشاتنا في نهوض سقف وعينا العام.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
6/3/2021م