رائد محمد
بعد أن تعرض والد يوسف للإهانة في المضافة المكتظة بالقرويين، من قبل الآغا “حسنو رشو” الذي أمسك بلحية أبا يوسف وهزها مستهزئاً مما أثار موجة من الضحك بين الجالسين ، كل هذا أمام نظر يوسف ، الصبي الذي لم يتجاوز ربيعه الرابع عشر ، حدث هذا في منتصف أحدى أصياف القرن الماضي ، فأقسم يوسف بجمرة الحقد الوليدة بأن ينتقم ، من الآغا البطاش ذو الشاربين المعقوفين كعادة الأغوات في المنطقة ، لذلك حمل على غفلة من ظهيرة يوم الخميس التالي ، مقص خالته الخياطة عيشو ، أخفاه في جعبته وتوارى عن الأنظار ، حدث ذلك في أحدى قرى سهل ماردين الجنوبية القريبة من بنخت (بنخت جهة المتاهات الضائعة ، والهويات الظليلة المقتحمة ضياع الظلال ) ، التي حبلت من سكة قطار الشرق السريع هويتها .
كانت دجاجات الخالة سعدية متجمعات تحت شجرة التوت العائدة لبيت الآغا هرباً من قيظ تموز ، تقتنص ظلال نباتية هرباً من اخرى آدمية ، الدجاج سلسل الطير المقيد من الطيران ، طيرٌ عوقب من قبل أحد الانبياء فحرم من نعمة السباحة جواً ، فبات يتنقل ويهيم في الأرض -هذا ما تقوله إحدى أساطير الكورد – انتبهت الدجاجات إلى حشرجة الطفل يوسف بين عيدان القصب القريبة من الجدار الشرقي لبيت الآغا حسنو ، ولكنها لم تكترث لأمره حيث مرغ كامل جسده بالوحل تحسباً لأي طارئ ، بدا كمخلوق برمائي غريب ، تحسس يوسف فناء بيت الآغا بعينين تقدحان شرراً ، ثمة هدوء في كل شيء ، عدة أشجار من السنديان متناثرة في الفنان ..!!
شجرات صنوبر مصفوفة في الجهة الشمالية كسور ، جلبة النسوة كانت مسموعة في أحدى الغرف المنزوية ، تعددن الغداء ، قفز يوسف بحركة بهلوانية من فوق الجدار المكون من الطابوق الطيني المخلوط بالتبن الناعم وتعلوه عيدان نبتة القطن ، نباتٌ قياف لتوريات الاجساد ، ثم تسلل بمهارة إلى غرفة الآغا الذي كان يسمع شخيره من بعيد ، تحسس يوسف المكان ، الباب مفتوح على مصراعيه للريح ، كان الوقت مناسباً للانتقام ، واي انتقام ، فالمكان خالي و الآغا يغط في نوم عميق ، كانت دقات قلب يوسف تتسارع كمحرك الماء الخاص بالآغا الذي كان يتعطل في كل حين رغم تفرده في المنطقة ، أقترب يوسف من سرير الآغا ، أنها المرة الأولى التي يرى فيها يوسف سريراً ، فهو السرير الوحيد في القرية بل في المنطقة ،
منظر القباب الذهبية الاربعة للسرير تبهج الابصار ، لم يكترث لها ، أخرج المقص من جيبه بعناية ،
تحسس شفرتيه ، أنهما حادتين ، خالته عيشو شحذته عند برقو الاشوري قبل فترة وجيزة ، اصبح يوسف على مقربة من رأس الآغا ،
لقم المقص بين أصابيعه الناعمة ، أراد أن يهين الآغا كي ينتقم لوالده ، قرّبَ جناحي المقص المفتوحين بزاوية حادة من شارب الآغا الأيمن ، قرب المقص اكثر بحيث اصبح الهدف بين متناول جناحي المقص ، كانت دقات قلب يوسف تُسمع أكثر من شخير الآغا ، والعرقُ يتساقط من وجهه ، فجأة …..!!!!
فتح الآغا عينه اليمنى ، تسمر يوسف في مكانه ، تلعثم تفكيره ، و تجمدت أعصابه ، ولكنه لاحظ أن الآغا لا يتحرك بل بقي يشخر وبطنه يرتفع وينخفض مع كل شهيق وزفير ،
تنهد يوسف تنهيدة كبيرة وأدرك أن للآغا عادة لا يعرفها أهل القرية ، تشجع يوسف وقال في نجواه ، الآن أنتقم لك يا والدي ، فأغلق المقص على الشارب الأيمن …!!!
، لم يكن يدري أن بأطباقه للمقص سيفتح باباً كبيراً للانتقام فيما بعد ، هنا أستيقظ الآغا عند سماعه صوت أطباق جناحي المقص بالقرب منه ، وبحركة لا إرادية منه سحب يده اليمنى التي ارتطمت بيد يوسف الحاملة لتلك الآلة المشحوذة بمسن برقو الآشوري ، فتوجه رأسي المقص المطبقين تواً نحو العين اليمنى للآغا حسنو رشو ، الذي سمي بعد هذه الحادثة ب الآغا الأعور ” آغايي ب جافكي ” ،
سحب يوسف مقصه من الفتحة اليمنى لجمجمة الآغا حيث كانت تسكن فيها قبل لحظات عينٌ حقودة قد انطفأت إلى الأبد ، كانت الدماء تصبغ اللحاف الأبيض باللون الأحمر وسط تناثر شعيرات من شارب الآغا عليها ، وركض يوسف منتشياً وسط زبيط طيور البط في فناء المنزل ..