البيان الختامي لمؤتمر أستانة الـ 15 المنعقد في سوتشي يوم الثلاثاء الماضي بتاريخ 16/2/2021م، حلقة من سلسلة مخططات المؤامرة الجارية منذ سنوات ضد الصعود الكوردي في سوريا، وهي أكثر من واضحة خلال البندين الأول والرابع منه، والمتكررة في بيانات معظم مؤتمرات أستانا خاصة بعد عام 2015م، اللتين يركزان على وهم لا أساس له؛ إلا في مخيلة الدول المحتلة لكوردستان، وهو أن حراك الشعب الكوردي يعمل على الانفصال وتقسيم سوريا، وبالتالي ينسخون الصيغة التالية من مؤتمر إلى أخر (رفضهم لأي محاولات تهدف لخلق حقائق جديدة داخل سوريا بحجة محاربة الإرهاب، ومنها مبادرات الحكم الذاتي الكوردية غير المشروعة) وفرضوا المقولة على الدول العربية المشاركة في المؤتمرات والتي وافقت مكرهة، على خلفية داخلهم الهش الذي من السهل لٍإيران وتركيا إعادة تجربة سوريا فيهم، وكالعادة وفي معظم مؤتمرات أستانا السابقة يتم التغطية على هذه الهدف بعرض قرارات مرفقة روتينية، وكنا كما يتمناه كل سوري أن تتمخض نتائج 15 مؤتمر إلى جانب المؤتمرات الجانبية الأخرى كالتي تمت في جنيف أو غيرها من الدول العربية؛ القليل من التفاهم والتوافق لوضع حل للصراع السوري الدموي، وإزالة النظام المجرم، ومعها المعارضة التكفيرية الإرهابية، وإقامة نظام ديمقراطي يمثل كل السوريين، ومن بنود هذا المؤتمر المنسوخة عن سابقاتها:
1- وحدة أراضي سوريا، المنطق الذي لا وجود له، وهي التهمة المروجة من العدم للحراك الكوردي، علما أن جميع الأطراف على دراية تامة على أنها ليست بأكثر من شماعة لإزالة الصفة الكوردستانية عن جغرافية جنوب غرب كوردستان.
2- (الصراع السوري لا يمكن حله عسكريا) الشعار الذي تم تدمير سوريا تحت غطائه. لم يتركوا أسلوبا عسكريا إلا واستخدموه، والعمل به لا يزال جاريا، والمقولة نفاق وخداع للشعب السوري، وتعمية للمنظمات العسكرية التي بدأت تستخدم كمرتزقة حتى داخل سوريا ذاتها.
3- ضرورة احترام النظام الداخلي ومبادئ العمل الأساسية للجنة الدستورية، علما أن اللجان هي في الواقع العملي لا تملك سلطة إبداء أي قرار بدون الدول الضامنة الثلاث، العاقدة للمؤتمر. ولا يمكن للدستور أن يكتب إلا إذا اتفقت هي بين بعضها وحصلت على الموافقة الأمريكية، وقد نوه (غير بيدرسون) إلى إن المشاورات لا يمكن أن تستمر بعد الاجتماع الأخير. لهذا فالمقولة تتمة للنفاق وخداع للشعوب السورية، وتغطية للغاية الرئيس للمؤتمر وهو الحضور الكوردي على الساحة السورية وبمساعدة أمريكا.
4- تقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين، وتسهيل العودة الآمنة والطواعية لـ اللاجئين والمشردين، من المؤلم جدا أن يصل بهم التلاعب بمقدرات المهاجرين السوريين، بالتباهي بعرض هذا البند، لا أعلم فيما إذا كان لا بد من التعليق عليه، وتأويل ما جرى على مدى السنوات الماضية من أساليب التدمير للقيم الإنسانية في سوريا وخارجها، فعلى سبيل المثال يتحدثون عن مصير المعتقلين منذ أول مؤتمر، مع ذلك لم تتم تشكيل لجنة للتقصي، ولا خطوة عملية في هذا المنحى.
ومن الغرابة أنهم يطالبون أن تكون الحوارات سورية-سورية لبلوغ الاتفاق السياسي، وفي الواقع وفي جميع المؤتمرات كان السوري إما منفيا أو مراقبا، مثلهم مثل وفد هيئة الأمم. وروسيا وتركيا وإيران كانوا يوزعون الأدوار، ويمددون من مآسي الداخل والمهاجر، ويعقدون الصفقات ما بين نقل المعارضة العسكرية من منطقة إلى أخرى، مقابل توسيع سلطة بشار الأسد عندما تطلب الأمر؛ وللتغطية مدت قيادات الائتلاف والمنصات المتنوعة برواتب مغرية وسلطات وهمية.
وفي الواقع المؤتمر الجاري كانت مقدمة سابقة لبدء مبعوثي الولايات المتحدة الأمريكية لمهامهم في المنطقة الكوردية، والمتوقعة أن يضعوا تجربة الإدارة الذاتية كمثال لسوريا القادمة، وتعاد طرح الفيدرالية السورية، والسلطة اللا مركزية، خاصة فيما إذا تم تفاهم ما بين أطراف الحراك الكوردي. فغياب الأمريكيين عن هذا المؤتمر وسابقاتها هو غياب للحل، وهم يدركون هذه الجدلية، وقد أكد عليها ممثل هيئة الأمم (غير بيدرسون) بشكل غير مباشر، عندما أعرب عن أمله أن تتمكن روسيا وأمريكا في دفع عملية التسوية في سوريا، وتناسى الدول الأخرى العاقدة للمؤتمر، والتي تتحكم بقرارات لجان الدستور.
الجميع يدركون هذه الحقيقة، لهذا بدأت سويات التمثيل ضمن المؤتمرات تتراجع، من مستوى رؤساء الدول الثلاث إلى وزراء الخارجية، إلى سوية مساعدو وزراء الخارجية في هذا المؤتمر، مع ذلك تقوم تركيا وإيران، بعقدها كلما دعت الضرورة، لتكرار ما هم مرعوبون منه، وهو تصاعد القضية الكوردية من جهة، وما بلغته جنوب غرب كوردستان رغم ما كانت عليه في العقود الماضية، وما قد ينجم عن الحضور الكوردي الجاري على الساحتين العسكرية والسياسية في سوريا.
معظم مؤتمرات أستانا تابعت مخططات القضاء على كوردستانية الجزيرة، ففي المؤتمر الـ 12 و13 و14 تم الاتفاق على احتلال عفرين وسابقاتها ولاحقتها من المناطق الكوردية، تكتمت عليها روسيا أو سهلت لها كرها بالوجود الأمريكي، وليس تأييدا لما تتفق عليها تركيا والسلطة بمعية إيران، وعلى الأرجح أن المؤتمر 16 القادم ستكون هناك دراسة على ما تم من الحوارات مع إدارة جو بايدن حول هذه القضية.
وفي الواقع أن جميع المؤتمرات التي عقدت خلال السنوات العشر الماضية، لم تقدم لسوريا سوى الدمار والتهجير وتوسيع شرخ الصراع بين المجتمع السوري، وحافظت على سلطة بشار الأسد الإجرامية؛ ومقابلها معارضة تكفيرية- سياسية منبوذة من المجتمع الدولي.
المؤامرة موجودة منذ سنوات، وتنفذ بخباثة منقطعة النظير، وعلى مراحل، بدأت بتقطيع جنوب غرب كوردستان إلى مناطق، وعزلت عن تفتحها على البحر، وهاجمت وعن طريق أدواتها من الكتاب والسياسيين العرب، ومن الطرفين، النظام والمعارضة، مفهوم الفيدرالية السورية والنظام اللامركزي…
يتبع…
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية