تود الدول المحتلة لكوردستان نشر وترسيخ هذا المفهوم، لبعدين: 1- خلق كراهية بين الشعب الكوردي تجاه الدول الحضارية، والتي كثيرا ما تتبنى القضية الكوردية، على منهجيات إنسانية مختلفة، أملين أن تتخلى تلك الدول عن بعض من مواقفها تجاه الكورد. 2- إقناع دول الناتو وغيرها، على أن الشعب الكوردي بعيد عن المقومات الديمقراطية، حتى ولو كانت الدعاية ممنهجة على معاداة أطراف من الحراك، وليست موجهة ضد الشعب الكوردي، ولكن نتائجها تسقط على كلية الشعب وقادمهم.
كثر الحديث حول اتفاقية تركيا والسويد وفنلندا في مؤتمر الناتو الأخير المنعقد في إسبانيا حاليا 28-30/6/2022م، وقد كان للكتاب والمحللين الكورد إسقاطات مختلفة عن بقية العالم، انحرف بعضنا إلى درجة معاداة الناتو عامة، دون دراسة نص الاتفاقية وخلفياتها، مع غياب الانتباه لمدى خطورة مثل هذا الموقف سياسيا ودبلوماسيا على قادمنا، وفي صراعنا مع محتلي كوردستان.
كما وقيل إن أعضاءها يساعدون أعداءنا عند محاربتنا، بناءً على المنهجية التي كنا نرددها طوال عقود طويلة، على أن معظم دول العالم لا يريدون لنا الخير، فوضعنا ذاتنا في مواجهة أغلبية الأنظمة السياسية العالمية، ولم نكن سوى حراك بسيط دون مستوى التأثير على مصالح أية دولة، وتناسينا أن جدلية كهذه بإمكانها أن تجرنا إلى مستنقع مرعب، وسيحكم علينا العالم بعدمية حقنا، وهو ما تم تسخيره في العديد من المحافل الدولية ضدنا، مع عرض تأويلات لمطالب أطراف من الحراك الكوردستاني.
جهالة سياسية لا مثيل لها بوضعنا الناتو في جهة وذاتنا شبه المعدومة على الساحة العالمية؛ في جهة أخرى، بها نصدر حكم بطلان قضيتنا دون وعي، فهل حقا جميعهم على خطأ، ونحن على صواب؟ أم أن أحكامنا كارثية، وعلينا أن نعيد النظر في كل أعمالنا التي أدت إلى معاداة الناتو لنا! وندرس مصالحهم، ونقارنها بقدراتنا السياسية والدبلوماسية الهشة، إلى الخامات المناسبة التي نملكها ولا نعرف كيفية تسخيرها، وعلينا أن نعيد النظر في وعينا للأمور، وإلى الواقع الداخلي الكارثي لحراكنا، أي أن نبدأ من ذاتنا، فلا عداوة أو صداقة دائمة، بل مصالح دائمة، جدلية أكثر من معروفة.
العالم مثلما اليوم دول الناتو تعقد الصفقات بكل أنواعها مع الدول المحتلة لكوردستان، نادرا ما تؤثر قضيتنا على مجرياتها، إلا إذا كانت تؤثر على مصالحهم، وبالتالي علينا أن ننطلق من هذه الساحة، وهي أنهم لا يعادون القضية الكوردية ولا الشعب الكوردي، هناك مصالح دولية، وعلينا أن نخلق القوة الذاتية المناسبة لإقناعهم على أن مصالحهم لا تتعارض وقضيتنا مع أعدائنا، لكن تجاهل قضيتنا ستؤثر على مصالحهم مع أعدائنا، وإننا بإمكاننا أن نكون أو نتحالف مع الحلف فيما لو توفرت لنا الظروف، وخير أثبات هو ما عليه الأن الإدارتين الكورديتين، وتحالفهما مع العديد من الدول الكبرى، وجلهم أعضاء في دول الناتو.
وبالعودة إلى مضمون الاتفاقية والتي أثارت هذه الإشكاليات، فتركيا لم تحصل على أكثر مما هو موجود في الأصل، والضجة الإعلامية كانت لغايات أبعد من الحظر على عضوية الدولتين، ففيما لو تمعنا في بنودها الثمانية، فإلى جانب ما هو مدرج على الساحة السياسية بين الدول، ووجود حزب العمال الكوردستاني أصلا ضمن قائمة الإرهاب، لوجدنا أنها أحاطت ذاتها بسياج الإرهاب، قد يأتي اليوم الذي يتم فيها اتهامها بشكل مباشر على مساعدتها للمنظمات الإرهابية، وفي مقدمتهم داعش والنصرة، الحقيقة المعروفة لدى استخبارات معظم دول العالم، وقالها أكثر من مسؤول أمريكي وروسي، أمثال ماك كفيرك، أمام الكونغرس الأمريكي وطرق مساعداتها لداعش منذ بداية رهائن قنصليتها في الموصل.
عمليا تركيا، والتي هي كما نعلم الدولة الثانية في الناتو، والثامنة عشرة في العالم اقتصاديا، ودخلت مرحلة تصنيع أنواع متطورة من الأسلحة، وتصديرها، ومنذ فترة ترسم استراتيجيتها على هذه السوية، مع ذلك ورغم أنها في صراع دائم مع بعض دول الناتو لكنها وعلى خلفية ما ذكرناه وكقوة مهمة في الحرب الجارية بين الناتو وروسيا أقدمت على هذا الاعتراض؛ للحصول على التالي:
1- موافقة إدارة جو بايدن على صفقة الطائرات ف-16 المتطورة، ومعها حق التطوير.
2- رفع السويد الحظر على بيعها أسلحتها المتطورة، والتي كانت قد فرضته بعد الاعتقالات الواسعة التي أقدمت عليها حكومة أردوغان على خلفية الانقلاب، وسعتها بعد الحظر الأمريكي.
3- كانت تأمل أن تسمح لها أمريكا بتنفيذ المرحلة الرابعة من مخططها لاحتلال المنطقة الكوردية، في البداية كانت تتضمن ما بين الفرات ودجلة أيضا، حصرتها فيما بعد بين منطقتي المنبج وتل رفعت.
فعندما ذكر مولود جاويش أوغلو أثناء التوقيع على الاتفاقية مع فنلندا والسويد، على أنهم حصلوا على ما يريدون، كان يعني، تحقيق النقطة الثانية، والأولى تدخل مرحلة شبه الموافقة، متجاهلا الثالثة والتي ستظل ضمن الممانعة الأمريكية. إلى جانب هذه كانت هناك غايات أخرى، منها: