نشر الكاتب قادر عكيد مقالاً في عدة مواقع اكترونية عن مسألة وحدة الاتحادات للكتاب الكرد، ومشروع الدمج بينها، وقد ورد في المقال أنّ اتحاد الكتاب الكرد الذي يرأسه قد قدّم طلباً كتابياً إلى اتحاد كتاب كردستان سوريا يدعو فيه إلى الوحدة الاندماجية بين الطرفين، ثمّ تلقى اتحاده خطاباً (نشر صورة منه على صفحته) من اتحاد كتاب كردستان سوريا، وفيه تبليغ عن قرار الكونفرانس الأخير تاريخ 04.11.2022 وهنا أقف عند بعض النقاط:
أولاً: كلّف المؤتمر الثاني الاعتيادي لاتحاد كتاب كردستان سوريا المكتب التنفيذي المنتخب بدراسة مسألة الوحدات مع الكيانات الأخرى واتخاذ القرار بذلك، وفي أول اجتماع له تمّ رفض الطلب، وتبليغ الآخر شفاهياً من خلال الرئاسة، وفي الاجتماع الموسع الأخير الذي حضرته إدارات الفروع، تمّ عرض الطلب من جديد، فاتخذ الاجتماع قراراً «برفض طلب المشروع المقدم من أجل الوحدة الاندماجية». وأعتقد أنّ هناك خلفيات لهذا الأمر ومن بعضها:
- إنّ السيد ديلاور قد حاول جرّ الاتحاد قبل (الانقسام التعسفي) إلى طرف سياسيّ، إلى حضن «الإدارة الذاتية» ليس لإيمانه بمواقف سياسية لها، بل تلبية لتحقيق مصالح شخصية يعرفها أعضاء الهيئة الإدارية المنتخبة من المؤتمر التأسيسي، ما حدث تصدعاً في الهيئة المذكورة التي سارعت إلى عقد مؤتمر استثنائي.
- ليس هناك وضوح كامل في آلية تشكيل الهيئة الإدارية للكتلة المتبقية من «الاتحاد» الذي يرأسه السيد قادر عكيد، وكيف تمّ التخلص من السيد ديلاور، سوى أن أوراقه احترقت وانتهى دوره، فبُدِّلَت الوجوه.
- أعضاء الهيئة الإدارية لاتحاد (قادر عكيد) موظفون لدى الإدارة الذاتية، ويتقاضون رواتبهم شهرياً، بينما أعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب كردستان سوريا يمارسون أنشطتهم الحياتية المعتادة في الزراعة والتجارة على مدار 24 ساعة لتلبية احتياجياتهم اليومية.
- كان يمكن لهذا الكيان أن يبيّن خصوصيته واستقلاله من التأثيرات السياسية، والعمل على تطوير الشأن الثقافي من دون تبعية.
- في نشر الخطاب المذكور يسعى الزميل قادر عكيد وأعضاء الهيئة الإدارية في اتحاده إلى تخفيف وطأة «الميراث الثقيل» لرئيسه السابق، ولفت الانتباه إلى اندفاعهم نحو توحيد الإطارين لبناء كيان ثقافي واحد، وإلى مدى تهرّب اتحاد كتاب كردستان سوريا من مسؤولية الوحدة، وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال: لماذا لا يطرح الجادون فكرة التوحيد مع «اتحاد المثقفين في إقليم الجزيرة» طالما هم جادون في طرحهم؟ سيما إنّ الإطارين ممولان من جهة سياسية واحدة. وإنّ الذين يقودون المؤسستين متشابهون في أفكارهم ومعاطفهم، وفي ابتساماتهم الساخرة من الآخرين. إنّ موقف المكتب التنفيذي واضح، عدم الانخراط في أي حوار، وموقف الاجتماع الموسع أكثر وضوحاً، «رفض أي مشروع اندماجي» طالما المسببات التي أدت إلى انشقاقهم مازالت قائمة. لكن رئاسة الاتحاد أخطأت في طريقة وصياغة تبليغ الرد «ترحيل الموضوع إلى المؤتمر»، أو لنقل: حاولتْ تهذيب الخطاب بما يتناسب وضرورة المرحلة، اجتهدوا فأخطؤوا.
نعرف أنّ هناك زملاء مخلصين للإبداع والكتابة ورسالتها، ونقدّر مواقفهم، لأنّ الرّفض لم يكن اعتباطياً، بل كان مبنياً على المعطيات السابقة. ولا نُخفي تشكيكنا بالنّوايا التي تدفع إلى تقديم طلب الوحدة الاندماجية، وسنكون من الداعمين إلى المشروع إذا تلافت الأسبابُ والخلفيات السّابقة، منها:
- إصدار بيان لتحميل الرئيس السابق مسؤولية التصدع الذي حصل، حتى من دون ذكر الاسم، وطي صفحة الماضي.
- الوقوف بوضوح وشفافية مع القضية القومية للشعب الكردي، وحلّها سلمياً في إطار الدولة السورية ومن خلال النّص الدستوري، وعدم زجّ الكتاب في معارك جانبية، وعدم زجّ أقلامهم في حملات التخوين، والمشاركة في معارك جانبية خارج الحدود أشعلتها جهات خارجية.
- أن يكون الكيانُ المذكورُ مستقلاً في توجهاته، ومواقفه، من دون وصاية من أحد. ونعني بالاستقلال عدم التبعية، وليس الموقف الفكري.
وهناك ظروف استجدت بعد الثّورة السورية المغدورة، وكي لا نكون مجحفين بحق الزملاء، هناك كثيرون جاهدوا في السعي إلى تولي والتسلّق لتولي مراكز ومناصب وهم على دراية بقدراتهم الضعيفة، في الإدارة والكتابة، ومهارة التعامل مع الآخرين وهناك أعضاء في قيادة الاتحادات الكردية ومكاتب أنشطتها، ليسوا مؤهلين لقيادة هذه المؤسسات، وهم متمسكون بها على غرار القيادات الحزبية الذين يقودون الأحزاب من فشل إلى آخر. وثمّة ملاحظة أخرى في حالة اتحاد الكتاب الكرد للسيد قادر عكيد، فقد تمّ ترقيعه ليكون جسماً قابلاً للحياة، ورغم تفرّغهم لم يستطيعوا تأطير الشأن الثقافي.
المشهد الاستثنائي للثقافة الكردية:
هناك طارئون في الساحة الثقافية، بحكم طبيعة المرحلة وأزمتها، ففي المستنقعات تعلو الطحالب والأشنيات ويختفي الجوهر، وهذا يحدث في المشهد السياسي والثقافي، ومن الطبيعي أن تطفو أقلام طارئة تقف خلفها مؤسسات ««خُلقت لقلب الحقائق» وطمس الواقع.
في واقع استثنائي طارئ من الطبيعي أن ينتشر الضجيج في الوسط الثقافي والكتابي، وأن يتسلّق أناس لا علاقة لهم بالأدب والثقافة، فاستوردت اتحادات الكتاب بعضاً منهم، للاستفادة من خدماتهم، وهناك كثيرون اعتلوا المنصات ومراكز ومناصب فيها لمواكبة الموجة، وإلى الأمس القريب كانوا «شحاذين» على مؤسسات أمنية تابعة للنظام، يبتهجون من رضا تلك المراقبة لأنفاس النّاس لخدماتهم، من التزاوج بين هذا الخليط والمزيج وبين قمح الحقل وزؤانه وأعشاب الحقل نتجت الأطر الثقافية، لتدخل في معركة إثبات الذات، والإطاحة بالآخرين ومن ثمّ إظهار الشماتة من انكسار الخصم والاعتلاء على جثته.
القليلون من السابحين في «درب التبانة الثقافية الكردية» يحملون المسؤولية بصمت، ويعملون بنزاهة لإنقاذ المشهد الثقافي من المتاهات والترهل. الينابيع الحقيقية تجدّد نفسها، وتصفي مسراها من الشوائب.