شاعر من سوريا، في رصيده ديوانين شعريين؛ “مرمية هكذا
في الهواء” عن دار أرواد 2014، ” مغطس بالشوكولا” عن دار نينوى بدعم من الصندوق
العربي للثقافة والفنون 2019،
إحدى صدماتي الكبرى، والمتأخّرة نوعاً ما، كانت عندما رأيت بأم عيني أحد الأولاد يلعب البلياردو، بينما كان الخصم والده.
هذا المشهد صادفته في أحد المنتجعات البحرية، كنت وقتها من بين عمّاله الموسميين. كانا يتحديان بعضهما بطريقة حلوة، فثمة ضربات لا يقوى الصغير على تنفيذها ليقوم الأب بمساعدته، تماماً مثلما تمسك الأم يد صغيرها في واجبه المدرسي الأول، عندما تظهر له معجزة كتابة الهمزة في حرف الألف.
تابعت مشهد الأب والابن حتى النهاية، حيث فاز الصغير بفارق كرة واحدة وبضربة كانت من تنفيذ الأب. استندت إلى طاولة قريبة أراقب مشيتهما حين غادرا المكان، تاركين ضحكات لذيذة وملونة لازالت تقفز مع الكرات على طاولة اللعب.
دمعت عيناي! لم يكن هناك وقت لأتأمل الموقف بدقة أكبر وأجيب نفسي لماذا بكيت؟! كان عليّ أن أسرع لإيصال الطلب إلى طاولة زبون ملحّ وكريه… كنا نكره الزبائن، حتى اللطفاء منهم، لأمر لا يفهمه أحد.
ثمة استراحات مسروقة يمكنك فيها أن تمرّر الوقت بطريقتك، لك مثلاً أن تقضم بعض الحلويات المرتجعة من صحون زبائن غادروا للتو، يدهشك أنهم لم يلمسوا حلوياتهم الشهية، تلك التي دفعوا ثمنها رقماً يكاد يساوي نصف مرتّبك تماماً. تراقب زبونة حلوة تضحك مع حبيبها، ربما حبيبها، أو تراقب بدقة، مثل قنّاص متمرّس، متى ستنحسر بلوزتها قليلاً كلما تحركت مع الضحكة، لينكشف جزء أوسع من نهديها العارمين، أنت في زاوية معتمة تحبس أنفاسك بينما هي وحبيبها في الضوء والصخب والفرح يضحكان. في تلك الاستراحة المسروقة، ليلة لعبة البلياردو وفوز الصغير على والده المبتسم، كانت صدمتي كبيرة، فالآباء وبكل طبيعية يشاركون أطفالهم ألعاباً محرّمة!
كانت الحياة ثلاث كلمات فقط: أكل، نوم ودراسة. ليس في قاموس الأهل كلمة ترفيه، سوى حضور ساعة كانت مخصصة لأفلام الكرتون عند الظهيرة، زيارة الأقارب في القرية يوم العطلة ومن ثمّ زيارة أضرحة الأولياء الصالحين التي تعشقهم أمي
تذكرت كيف كنا ندخل ونخرج من صالة البلياردو المعتمة، في قبو رطب ونتن في حيّنا، عندما كنا في المرحلة الابتدائية في الثمانينيات من سوريا، الضيّقة على كل شيء، كان الأمر أشبه بالتسلّل إلى وكر عصابة، أو الدخول إلى بيت دعارة. كنا نعود إلى بيوتنا ملوثين بالذنب والخطيئة، لكننا فرحون بانتصار وحيد، لا يخص المنافسة على الكرة السوداء في ضربة مدهشة، حيث تتدحرج نحو حفرتها الأخيرة لتحسم الفوز… كان انتصارنا الوحيد الذي نعوّل عليه ببساطة: ألا يلمحنا أحد من الأهل أو الجيران بينما نخرج من وكر المتعة والرذيلة.
سرقتُ قلم ديمة، زميلتي في الصف السادس. يومها أعطاني أبي ثمن قلم جديد أظن أنه يكفي ليكون أجر وقت أطول في الصالة، في اليوم التالي سُرق القلم من حقيبتي، لا أحد في الكون يستطيع اكتشاف السارق لكنك تستطيع التخمين، إنه شخص يشبهك تماماً، اليوم في الصالة سيُغدق على رفاقه، ويدعوهم ليلعبوا “game” إضافي على غير العادة.
كانت الحياة ثلاث كلمات فقط: أكل، نوم ودراسة. ليس في قاموس الأهل كلمة ترفيه، سوى حضور ساعة كانت مخصصة لأفلام الكرتون عند الظهيرة، زيارة الأقارب في القرية يوم العطلة ومن ثمّ زيارة أضرحة الأولياء الصالحين التي تعشقهم أمي، أولئك الذين، ولفترة طويلة، كنت أعتقد أنهم أعلى شأناً ومقدرة من الله نفسه.
لماذا لم يلعب أبي مع أولاده؟ فلنفترض جدلاً أنه يعتبر أن أية لعبة تحتاج المال هي مضيعة للوقت والمال معاً، وهي مجرد عملية نصب يقوم بها صاحب الصالة على أولاد الحي، ماذا عن باقي الألعاب المجانية، الألعاب المنزلية البسيطة؟!
مقالات ذات صلة
لماذا لم يكن الآباء في حيّنا يلعبون مع أولادهم، هل كان العمل يرهقهم إلى هذا الحد؟ هل كان الفقر يجعلهم في أوقات فراغهم مجرد آلات مطفأة أو معطلة، ساهمين في دخان سجائرهم وفي خبز اليوم التالي؟ هل كانت ثقافة التربية آنذاك تمنعهم من مشاركة أولادهم اللعب، خوف كسر الحواجز وحفر الأولاد لصخرة الأبوة القاسية، تلك الصلابة التي كانوا يفترضون أنها كفيلة بصنع رجال المستقبل الصعب؟
نعم في تلك الأوقات المعتمة من سوريا الضيّقة على كل شيء، علّمتهم الأحزاب النضالية بأنواعها، ذات الرايات التي لا تخلو من لون الدم، والشعارات التي تحمل قبضات مضمومة وغاضبة وسلاسل مخلوعة، الأحزاب الطامحة إلى مشهد الانقلاب الدائم، استلام زمام السلطة ومسك ميكروفون إذاعة البلد من أجل البيان الأول، علمتهم أن لا شيء يأتي بسهولة، بل كل شيء يحتاج إلى قوة (شكيمة) – كانت تعجبهم هذه المفردة- والنضال الذي لا يرتاح أبداً، وأن الخشونة تحتاج إلى تربية وبناء وصناعة ولا يمكن الاستغناء عنها. علمتهم الأحزاب النضالية كل هذا، رغم أنهم يوماً لم يكونوا إلا ورقها المحروق. لم يكن المجتمع السوري حين كنا صغاراً إلا ثكنة ممتدة كبرنا فيها. كل بيت كان ثكنة، كل أب كان عسكرياً، وإن كان نجاراً أو سماناً أو يعمل في أي مهنة كانت، حتى ثياب النوم كانت موحّدة، بأحجام مختلفة.
علمتهم الأحزاب النضالية والعسكرة أن الترفيه يجب اجتثاثه، ولا مكان هنا إلا للجدية والصرامة والنضال، وأن الألوان موجة إمبريالية مفسدة للروح الوطنية، وأن الكاكي، أو القاتم بالعموم، هو سيد الألوان
علمتهم الأحزاب النضالية والعسكرة أن الترفيه يجب اجتثاثه، ولا مكان هنا إلا للجدية والصرامة والنضال، وأن الألوان موجة إمبريالية مفسدة للروح الوطنية، وأن الكاكي، أو القاتم بالعموم، هو سيد الألوان.
انقلب رفيقي في العمل على ظهره من الضحك وظنني مخبولاً، حين رددت بكل جدية: “كنت بالمدرسة”، على سؤاله: “وين كنت من شي نص ساعة، عم يسأل عنك الميتر وفي ألف زبون بالصالة؟”.
لم يكن من السهل أن أشرح له أنني حين رددت عليه بجملة “كنت بالمدرسة” بينما أرتجف، أنني حينها كنت ساهياً، أجيب أبي على سؤاله الذي كرّره ألف مرة في جلسة تحقيق قديمة وطويلة، عقب معرفته مصادفة من عصفور قذر وواشٍ، أنني كنت في صالة البلياردو.
تأليف /جي دي موباسان ترجمة : سامي غنيم دار تبارك للنشر والتوزيع. أحمد إبراهيم.
في رواية (حياة السيد بيير) ، لا يقدّم لنا موباسان حكاية عادية عن عائلة تخلّ بتركيبتها الأسرار، بل يرسم لوحة شاحبة عن الانهيار الهادئ لهوية رجل. حين يكتشف بيير أن أخاه جان ليس شقيقه البيولوجي ، لا تنهار الأسرة أمامه فجأة، بل يتشقق داخله بالتدريج، كما يتسلل الحزن إلى العظم، لا يعلن عن نفسه مباشرة، بل يتفشى كمرض لا يُرى، وسط نسيّان تام من الأم.. هنا لا تدور الرواية حول صراع خارجي، بل تتحول الأزمة إلى الداخل، ليقتحم دفئ الأسرة ويحول امانها إلى قلق. فبيير لا يخسر أخاه، بل يخسر مرآته. ولا ينكسر فقط لأنه خُدع، بل لأنه أصبح غريباً في عقر داره، ألم بيير كان وجعاً يحمل معنى الصدمة، صدمة القدر، من أكثر شخص يحبه. الأم، التي بدت منذ البداية شخصية هادئة، تمثل مأزقاً إنسانياً معقداً، إنها امرأة أحبت رجلاً منحها ما لم يمنحها زوجها، فخانت، لا بدافع الشهوة، بل بدافع الفراغ العاطفي. وها هو موباسان يرينا الخيانة لا بوصفها فعلاً شريراً، بل كاستغاثة للقلب من جفاف الحياة. لقد شعرت بالذنب، نعم، لكنها لم تتبرأ من حبها، لأنها ببساطة لم تتلقَ الحب من شريكها، لم تلق آيةً حقوق زوجية تُشعرها أنها موجودة بين اضلع رجل يحتويها ، فأصبحت أمام مأزق أخلاقي.
جان، في المقابل، ضحية بلا ذنب، وبيير لا يلومه، لكنه لا يستطيع إلا أن يتألم. الألم الذي نعيشه أحياناً لا يكون عدوانياً ولا عادلاً، بل موجة داخلية تسحقنا ونحن نفهم جيداً أن لا أحد اختارها. وحين يواجه بيير جان بالحقيقة، لا يفعلها بدافع الانتقام، بل كمن يفرغ شيئاً ثقيلاً من داخله. تلك المواجهة كانت اعترافاً أكثر منها إدانة، وقد جائت في غير أوانها. ورغم كل ذلك، لا ينهي موباسان روايته بحل، بل بنوع من الهروب النبيل، رحلة بحرية، وعمل كطبيب. لا لأن بيير نسيّ الأمر ، بل لأنه اختار أن يواجه الحياة من جديد، في مكان لا تلاحقه فيه الملامح التي فقدت معناها. السفر هنا لا يعني التخلّي، بل إعادة تعريف الذات، ورحلة تكوين المستقبل المجهول، بجهد فردي، جان نال الحظوة والمال الذي تركه عشيق والدته، صديق العائلة المقّرب ( المارشال) فكانت تلك الهبة لعنة على هذه العائلة وكانت أولى حلقات مسلسل السقوط. موباسان لم يكتب عن الخيانة بوصفها سقطة، بل عنها كشرخ في المعنى. لم يُدن، ولم يُبرّئ، بل اكتفى بأن يرفع الغطاء عن الإنسان حين يتعرى أمام حقيقته. وربما كانت أعظم مأساة بيير ليست اكتشافه أن أخاه ليس شقيقه، بل اكتشافه أن كل ما عاشه كان قائماً على الخداع و تصديق صامت، حين تنكسر الثقة، لا تنكسر في الآخر فقط، بل تنكسر في أنفسنا. لاسيما حين تنكسر ليظهر الوجه الحقيقي لأقرب المقربين، البعيدين دوماً عن دائرة الشك.
في كتابه (كيف أصبحت كاتبًا)، الذي هو ثمرة لقاءات متفرقة أجراها أوستر في متحف الفن الحديث في الدنمارك عام 2014، ثم في 2017، تتجلّى أمامنا سيرة ذاتية تختصر حياة كاتب أمريكي استثنائي، عاش داخل الكتب وبين رفوف المكتبات وأروقة النوادي الأدبية، ليصبح إسماً عالمياً امتدت قراءاته من الداخل الأمريكي إلى أوروبا، وتُرجمت أعماله إلى لغات عدة، وكان للعربية نصيب وافر منها. (عن القراءة بوصفها حياة) كما في مفهوم العقّاد من أمتع الكتب في الفحوى والمعنى تلك التي تتحدث عن ذاتها، عن ذلك الفعل الخفي الذي نمارسه وحيدين، لكنه يُخرجنا إلى عوالم لا تحصى. القراءة ليست هواية عابرة، بل هي فن يتطلب التمرين والذائقة والتفكير والاستمرارية. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا ، هل تحتاج القراءة إلى خبرة؟ الجواب – رغم ما قد يبدو من تناقض – هو: نعم. فلكل قارئ أسلوبه، لكل عقل طريقته في الالتقاط والهضم، وهذا ما يجعل من تجربة القراءة عملية فريدة، تختلف باختلاف من يمارسها. وللكتّاب الكبار خصوصيتهم في هذا؛ وأوستر من أولئك الذين عاشوا القراءة كفن مُكمّل للكتابة، لا يفصل بينهما شيئ، أشبه بالقطار القديم الذي يتخذ من الفحم وقوداً لدفع محركه. (الكتابة: التوأم العميق للقراءة) الكتابة ليست نبتة برية تنمو وحدها، بل تُروى من ماء القراءة. يشبّه أوستر عملية الكتابة برحلة في فضاء واسع، أشبه بساحات يمر بها الكاتب خطوة خطوة، كلمة كلمة. وكأن كل كلمة تُكتب تُزيح مسافة، أو تعبُر برًّا آخر من هذه الرحلة الخفية المليئة بالمتاعب الفكرية إن صح وصفها بذلك. يقول أوستر واصفاً هذه العملية المرهقة. (أظل ماكثًا في الغرفة التي أكتب فيها هذه الكلمات. أضع قدمًا أمام قدم، وكلمة أمام أخرى. مقابل كل خطوة، أضيف كلمة، وكأن هناك دومًا مسافة يجب علي عبورها، مساحة لجسدي في انتقاله. إنها رحلة عبر المساحات، حتى وإن لم أصل إلى مكان، حتى وإن عدتُ حيث بدأت. إنها عبورٌ بين مدن، وخروجٌ من صحارى، وولوج إلى حواف محيطات خيالية، حيث تغرق أفكاري وسط أمواج الواقع القاسية.)
ويضيف بلمسة جمالية أكثر دقة مرة أخرى (أريد أن أعبّر بأبسط طريقة ممكنة. أن أبدأ بما هو أمامي: مشهد طبيعي، شيء قريب مني. كأنني أبحث في هذا الصغير المتناهي عن صورة لحياة أكبر، كأن كل شيء حولي مرتبط بكل شيء آخر، والعالم في مخيلتي لا حدود له، عالم لا تُسبر أغواره بقدر رغبتنا في ذلك.) (عن بدايات أوستر) من المدهش أن يبدأ حب القراءة لدى أوستر في سن الثامنة، رغم أن والديه لم يتجاوزا الثانوية. كان مختلفًا عنهم؛ مأخوذًا بالكتب وما تحملهُ . وفي سن التاسعة كتب أول قصيدة عن الربيع، وسماها لاحقًا بأسوأ ما كتب، لكنها كانت أول نقطة حبر في مسيرته الطفولية التي امتدت بعدها لسنوات أكثر عطاءٍ. (أوستر ومانغويل: قُرّاء يكتبون) تشبه تجربة أوستر القرائية في عمقها تلك التي قدّمها الأرجنتيني ألبرتو مانغويل، الكاتب الذي أفرد للقراءة كتبًا خاصة مثل (تاريخ القراءة)، (فن القراءة)، (المكتبة في الليل)، وغيرها. كلاهما جعل من القراءة قضية، لا فعلًا هامشياً. (الروائي والتاريخ) قال الشاعر والكاتب الكردي عرب حوري (إن الرواية تحتاج إلى وعي تاريخي وكم معرفي بأحداثها لأن الرواية في تركيبتها تعتمد على عنصر التاريخ السردي بطريقة قابلة للهضم لدى القراء) لا مجرد ثقافة عامة. وهذا ما أدركه أوستر، فغاص في التاريخ الأمريكي، لا سيما ذلك المشحون بالصراع العرقي بين السود والبيض. تناول الأحداث لا كمؤرخ، بل كروائي يرغب في تحويل الوقائع إلى سرد ينبض بالحياة. (عن أوستر وجميع الكُتّاب في العالم) الكاتب الحقّ هو من يناهض العنصرية، يكتب ضدها، ويفضح بنيتها. وأوستر مثال على هذا الوعي الأخلاقي الذي يُحيل الأدب إلى وسيلة لبناء السلام. فالثقافة إن لم تكن مقاومة للعنف، فهي تكرّس صورته. وأوستر، في هذا الكتاب، اختار أن ينحاز للعدالة، للحرية، للسلام للديمقراطية ، لأن للثقافة وجهان إحداها تكرّس العنف والأخرى تقود العالم إلى مرافئ السلام. والقراءة ، ليست استهلاكًا للنصوص، بل لقاء حيّ مع الذات والعالم، ولغة تواصل عميقّة.
مصادر الاقتباسات كيف أصبحت كاتباً.. بول أوستر منشورات حياة
أعتذر مرارا وتكرارا على عنوان موضوعي “لأنه مقزز” ، لأني قرأت الخبر من عدة مصادر و في البداية توقعته خبر كاذب ومزيف ولا صحة له مثل العديد من الأخبار التي أجدها على شبكة الإنترنت على سبيل المثال ، لكن ما أن أكتشفت أنه حقيقي وتعمقت بالتفاصيل شعرت بالتعب والغثيان ، فمجلس النواب الإسباني وافق على “ممارسة الجنس مع الحيوانات طالما لا تؤذيها”..!!
الخبر لا يحتاج تفصيل وشرح ، وبالتأكيد بقية الدول الأوربية سوف تطبق هذا القرار بل و سوف تبتكر ما هو أغرب منه في الفترة القادمة ،ودائما أتساءل لماذا أصبح موضوع التحرر والهوس الجنسي الشغل الشاغل لعدة دول ، بل ومصيري ومن أسس الديمقراطية..؟؟
بالنسبة لي وأنا “مواطن بريطاني” ،أجده بسبب الانغلاق الاجتماعي المحيط بحياتهم والتفكك بأبشع صورته ،يضطر البعض ولا أقول الجميع لأنني أرفض التعميم لكي يفرغ مشاعره وطاقته بما هو متاح أمامه ،حتى أنني أذكر صديقا لي أحب زميلته الجامعية وعندما أعلن لها عن حبه لها توقعت أنه يريد أن يمارس العلاقة الجنسية معها فقط لا غير وبعد هذا كل واحدا منهم يذهب في طريقه ، لكن ما أن عرفت أنه يريد الزواج والاستمرار معها إلى الأبد أغمي عليها من شدة الفرح ، لأن ما قام به صديقي يعتبر شيء نادر الحدوث.
المصيبة أن بعض العقول لا تدرك أن أساس استمرار البشرية الوحيد هو عبر “علاقة واضحة وعلانية وشرعية “بين “الذكر والأنثى ” ، وكل قوانينهم وابتكاراتهم جلبت عليهم الكوارث ،لأنهم يريدون تغير هذا الأمر .
صرخ عاليا والدهشة تشع من عينيه طيور حجل، جاب الصالون الملكي جيئة وذهاباً دونما جدوى، ضرب الجدران بقبضته فسال الدم قانياً على ساعده، مسح بأصابعه الكرسي الملكي بحرقة بينما الدموع تنهمر من عينيه الدهشتين وكأنه يشاهد المُلك لأول مرة:
-ميديا أنا لا أستحقك.. كنت ساذجاً فوجد الغدر موطئاً له في ثناياك..
نزع العباءة والتاج ووضعهما برفق على الكرسي وغادر مطأطئ الرأس مقهوراً.
ملاحظة:
استياك ابن كيخسرو إمبراطور ميدي سقطت إمبراطورية ميديا في عهده إثر خيانة هارباك قائد جيشه وتآمره مع الفرس.
إحدى أغبى الحروب في التاريخ المعاصر. الهجوم الروسي-البوتيني على أوكرانيا-الناتو، سنة مرت وهي لا تزال مستمرة، الغباء يتفاقم، والكوارث تتراكم، إنها أوضح صورة عن الجدلية المتداخلة ما بين الغباء والكوارث البشرية. لو سألوني ثانية اليوم، هل روسيا ستهاجم، لكان جوابي نفسه قبل سنة، بأن الإستراتيجيين السوفييت السياسيين-العسكريين، عباقرة الحرب الباردة، لن ينخدعوا بحيل أمريكا ولن يسمحوا لجيوشهم العتيدة السقوط في المستنقع، بعد الصيت العالمي، والتجارة الرابحة التي كانوا يحصلون عليها من مبيعات أسلحتهم، الأسلحة التي تبينت من خلال الحرب بأنها لم تكن على مستوى ما كان قد شاعت عنها في الإعلام. كما وبما أنهم كانوا على دراية تامة بواقع الاقتصاد الروسي مقارنة بالأوروبي والأمريكي، لو ترك لهم الخيار، لما سمحوا لدولتهم بالانجرار إلى مسيرة الاستنزاف الطويلة الأمد الذي خططت له أمريكا.
كل القوى المتصارعة تخسر بشكل أو آخر، بشريا واقتصاديا ومن ثم عسكريا، وقريبا ستظهر تبعاتها الكارثية وبشكل جلي على الشارع الروسي، والأوروبي وحتى الأمريكي
خطأي في التقدير، إنني نسيت أن جميع الطغاة والأنظمة الدكتاتورية تحمل جوانب من الغباء، وعدم التقدير للطرف الأخر، ونسيت أن العنجهية تعمي أبصار أصحابها، وهو ما كان عليه بوتين، يوم فرض رأيه، ولم يتجرأ أي من الإستراتيجيين السوفييت القدامى الاعتراض. وللأسف هذه المنهجية مترسخة في الأنظمة الروسية، ولم تتغير طوال الأحقاب الثلاث، القيصرية والسوفيتية والبوتينية. كل القوى المتصارعة تخسر بشكل أو آخر، بشريا واقتصاديا ومن ثم عسكريا، وقريبا ستظهر تبعاتها الكارثية وبشكل جلي على الشارع الروسي، والأوروبي وحتى الأمريكي، بعدما أدت إلى ضياع نسبة عالية من الجيل الجديد، إما قتلا في ساحات الحرب، أو الخروج منها معاقون جسميا ونفسيا، إلى جانب خسارتهم للمئات من خيرة المثقفين والسياسيين الروس والأوكرانيين، وتعميق الشرخ المرعب بين الشعبين الذين كانوا على جبهة واحدة طوال قرون عديدة، إن كان سياسيا أو قوميا أو مذهبيا. لم يتعظ بوتين من الحرب الأهلية السورية، وهو عراب النظام المجرم بشار الأسد طوال السنوات الماضية، ورأى ما حل بالشعب السوري واقتصاد الدولة والمآسي التي يمر بها الشعب والنظام والمعارضة وكل من أقحم ذاته في الصراع، ومن بينهم روسيا، ولربما لم يتعظ حتى اللحظة، ولا يهمه إن سقط بكليته في المستنقع الأمريكي – الناتو، بقدر ما يهمه رأيه وعناده وعنجهيته، وسوف لن يؤثر عليه حتى ولو بدأ الاقتصاد الروسي بالانهيار وتعالى التضخم إلى مستويات لا يحمد عقباه، بقدر ما يهمه قناعاته، على أنه يحمي الشعب الروسي من الخطر الشعب الأوكراني، وأنه يحارب العنصريين الأوكرانيين، النازية الجديدة حسب تعابيره، ولا بد من تفكيك أوكرانيا، والحد من تمدد الناتو، في الوقت الذي كان بإمكانه أن يفعل كل هذا وينجح فيها فيما لو أستمر على تطوير ترسانته العسكرية، وتحسين الاقتصاد الروسي، والخروج إلى العالم بقوة تجارية، إن كان على أكتاف مخزونه الهائل من المواد الصناعية، بدأ من النفط والغاز إلى جميع أنواع المعادن والتي بعضها عصب الحياة للمصانع الأوروبية. خسرت أوكرانيا، بنيتها التحتية إلى جانب هجرة شعبها والألاف من خيرة شبابها، لكن خسارة روسيا لا تقل عنها فإلى جانب من قتلوا في المعارك والهجرة الواسعة إلى الخارج، تتفاقم الحالة المعنوية، وبدأ يتراجع الاقتصاد، والأخطر من كل هذا الحالة النفسية التي بدأت تسود المجتمع الروسي، المشابه لما حصل أثناء الحرب العالمية الثانية وما بعدها. فاليوم العائلة الروسية كالإوكرانية، تعيش الحداد إما على من فقدوهم أو رهبة من الفقدان، ونعلم أن الشعبين الروسي والأوكراني كانوا يعانون طوال عقود من رجحان نسبة الإناث على الذكور، اقتربت من التعادل في نهاية التسعينات، وهي الفترة التي كانت نسبة السكان الروس يتراجع، إلى أن حلت الزيادة، بعد تدخل واسع من قبل الدولة، بنسبة زهيدة، قدرت بعدة ألاف فرد طوال سنة كاملة، حصل ذلك في نهاية التسعينات من القرن الماضي. وبالمقابل، تخسر أمريكا، عسكريا واقتصاديا، وهناك بوادر صراع سياسي بين الحزبين الحاكمين، على العديد من القضايا المتعلقة بالحرب، كالمساعدات العسكرية والمادية والمعلوماتية، وهو ما دفع بالرئيس (جو بايدن) زيارة أوكرانيا لرفع معنويات الشعب الأمريكي والأوروبي قبل الأوكراني. وخسرت أوربا الكثير، شعوبها تعاني اليوم من التضخم، والنقص في الطاقة، إلى جانب الرهبة من الحرب وما قد تحل بالحالة المعيشية مستقبلا وقد تم استقبال قرابة 8 ملايين أوكراني وقبلهم الملايين من سوريا وأفغانستان، وماذا لو تمددت ساحة الحرب وبلغت أراضيهم، كما حدثت في الحربين العالميتين. كما وعانت دول وشعوب من العالم الثالث، في أفريقيا والشرق الأوسط، والتي كانت تحصل على القمح والذرة الأوكرانية والروسية، وتلك التي كانت تأتيها المساعدات الروسية من الطاقة والأسلحة وبأسعار متدنية، والرهبة من أن تؤثر استمرار الحرب على انقطاع إمدادات القمح والذرة، ومخزون معظم الدول غير كاف لفصل واحد. قادم الدول المتصارعة، قاتم فيما لو أستمرت الحرب، وظل بوتين على عناده، ودون أن يغير من أوجه الصراع، والذي يتطلب منه الانتقال من الجانب العسكري إلى السياسي – الاقتصادي، دونها سيعاني الشعب الروسي الكثير، علما أن معاناة الشعوب بالنسبة للأنظمة الدكتاتورية لا تعني شيئا، بل تمرر على أنه الصمود في وجه الأعداء، مثلما تفعله كوريا الشمالية والنظام السوري، وأئمة ولاية الفقيه للشعوب الإيرانية، وكوبا، وغيرها من الدول، التي تفضل الصراع على مجاعات شعوبها. أمريكا لا تزال تكسب، من البعد الاقتصادي، شركاتها وخاصة التي تصنع الأسلحة تعمل بكل طاقاتها، تربح المليارات، ونسبة البطالة في أدنى مستوياتها واقتصادها معافى رغم التضخم المتزايد، لكنها ومع ديمومة الحرب ستواجه المعارضة الأوروبية المتحالفة، وقد بدأت تظهر موجات من الانتقادات على أن أمريكا تنهبهم من خلال عملية الحصار على النفط والغاز الروسي، وبدأت تضع شروط مساعدة أوكرانيا عسكريا بمقدار المساعدات الأمريكية ذات التكنلوجيا المتطورة. أي عمليا خسارة روسيا لن تكون أقل من خسارة أوروبا مستقبلا، وربما إلى حد ما أمريكا خاصة فيما لو نهضت الصين بشكل جدي في البعدين الاقتصادي والمنافسة العسكرية. تركيا الدولة الوحيدة التي استفادت من هذه الحرب وبدهاء أو خباثة سياسية، لأن السياسية جلها خباثة قبل أن تكون دهاءً، مثلما استفادت وطوال السنوات الماضية من الحرب الأهلية السورية، وعرفت كيف تستغلهما لمصالحها، بوقوفها في المنطقة المحايدة، تمتص من الجهتين، مثلما فعلته مع المعارضة السورية، بإعادة تركيبتها لتكون الأداة التي تستخدمها كلما دعت الضرورة، في الوقت الذي كانت روسيا تقصفهم بالطائرات كانت هي على علاقة حميمية معها، سياسيا واقتصاديا. قدمت تركيا ذاتها إلى العالم الثالث على أنها أنقذتها من عوزها للقمح الأوكراني والروسي، كما وعرضت خدماتها للأوروبيين بمد خطوط أنابيب الغاز والنفط من خلال أراضيها، إما من الجانب الروسي أو الأذربيجاني أو التوركمنستاني، علما أنها لولا الدخل الذي تحصل عليه من هذه الخدمات، لعان اقتصادها من ركود متسارع، ولتدهورت عملتها أضعاف ما حلت بها الأن، ولتجاوز التضخم في أسواقها نسبة المائة. كما وحصلت بوقوفها في منطقة الحياد بين المتصارعين، على الكثير من البعدين السياسي والعسكري. تمادت في عدة بلدان، دون معارضة جدية من الجانبين الأمريكي والروسي، تحتل أجزاء من سوريا، ومنعت قيام فيدرالية غربي كوردستان، وقامت بالتغيير الديمغرافي لمنطقة عفرين، وبها قطعت رابط الاتصال بين المنطقة الشرقية من غربي كوردستان وغربها وحيث جبل الأكراد والبحر المتوسط. تتحكم بمسارات السياسة في ليبيا، وتحارب اليونان للسيادة على جزرها ومساحات من مياهها الإقليمية، مثلها مع قبرص ومصر. تحكمت في الحرب الأذربيجانية الأرمنية من البعد القومي والديني، ولم تعترض عليها روسيا علما أن روسيا كانت عرابة أرمينيا، وكانت ترى ذاتها المعنية بأمر الدولتين مثلما أدعتها مع الدولة الأوكرانية وتدخلت في شؤونها تحت ذرائع وهي ذاتها التي كانت موجودة في مناطقها الجنوبية وحيث جورجيا وأرمينيا وأذربيجان، لكنها هنا لازمت جانب الصمت لئلا تخسر تركيا وهي دولة مهمة في الناتو. لا شك الجدلية معروفة، هناك دول وشعوب تعاني من ويلات الحروب وأخرى خبيثة تكسب وتستفيد من كوارث الأخرين، أنهم دول على مقاس تجار الحروب. تركيا اليوم تكسب، ويظل السؤال: هل ستنسى أمريكا وأوروبا وربما روسيا هذه التجاوزات والمواقف لتركيا مستقبلا؟ أم أنها كوريثة للإمبراطورية العثمانية، تعيد تاريخها، وما حل بها بعدما تمكنت فرنسا وبريطانيا من تشكيل قوة منافسة للإمبراطورية. مع ذلك فهي اليوم تكسب وتتمادى، ولولا الكارثة الزلزالية لشاهدنا مفاجئات عديدة من جانب حكومة أردوغان قبل الانتخابات، ولربما بعدها فيما لو كسبها، وبعضها تخص مستقبل الكورد في سوريا وقادم الإدارة الذاتية وقوات قسد، وربما قادم سوريا بشكل عام. د. محمود عباس الولايات المتحدة الأمريكية 20/2/2023