روماف – رأي
الثورة السورية والتي طالما راهن عليها الشعب السوري التوّاق إلى الحرية والكرامة للخلاص من سنوات الظلم والقهر والإذلال والتطلُّع نحو مستقبل مشرق خالٍ من الاضطهاد والعنصرية، تحولت خلال سنواتها الإحدى عشرة إلى مستنقع راكد كلما امتدت سنواتها زاد روائحها النتنة نتيجة هذا الكم الهائل من المليشيات والفصائل والتنظيمات الإرهابية الموجودة فيها إلى جانب عدد وحجم الدول الداخلة والمتداخلة في الشأن السوري.
أما الشعب المنهك اقتصادياً ومعيشياً وأمنياً لم يبقَ له دور أو مكان في كل ما يجري بعد أن كان له اليد الطولى في الشرارة الأولى لثورة حقيقية ضد النظام الديكتاتوري مجرم الذي حوّل سوريا إلى مزرعة له خلال سنوات حكمه، أما خلال الثورة حوّل سوريا إلى أرض يكتسحها وشاح أسود، وتسكنها أرواح تائهة وأشباح.
المشكل السوري زادت تعقيداته ومتاهاته لِما لعديد من الدول من تداخلات وتشابكات خطوط طولية وعرضية في مصالحها وأجنداتها ونفوذها وحتى أدواتها على الأرض.
فمنذ بداية الأزمة السورية وحتى الآن تمَّ تغيير أربعة مبعوثين خاصين من الأمم المتحدة، ويعتذر كل مبعوث بعد أن يصل إلى باب تقاطعات المصالحية للدول المتداخلة في الوضع السورية إلى طريق مسدود، بسبب عدم وجود إرادة دولية للحل لتعنتهم أدى إلى فرض مناخ جليدي داخل مجلس الأمن الدولي، لذلك كانت خطوط المواجهة بين هذه الدول تتغير بين فترة وأخرى، أحياناً تكون في الشرق الأوسط وأحياناً أخرى في مناطق أخرى، كما الآن من حرب شرسة يحصل على أرض أوكرانيا.
أما الخطوط المواجهة العرضية بين الدول المتداخلة لم تتغير خلال السنتين الماضيتين فقط كانت سياسة الاتهامات المشهد المسيطر على الوضع العام، وهذا مؤشر إيجابي للبدء بالخطوة الأولى نحو الحل السياسي، ولكن هذه الخطوط تمّ اختراقها من قبل هيئة تحرير الشام والتي كانت تسمى بـ حبهة النصرة عندما هاجمت الفصائل والميليشيات الموجودة في عفرين والسيطرة عليها، هذا الاختراق يوحي بأن هناك تفاهمات ومقايضات جديدة قديمة تسطر خطوطها على الأرض وبالأخصّ التفاهمات التمهيدية بين تركيا والنظام السوري.
عندما بدأت الأزمة السورية بدأت بثورة قام بها السوريون لرغبتهم بالخروج من تلك السنوات الرهيبة التي عاشوها تحت رحمة جلادي النظام الديكتاتوري المجرم، وسرعان ما تحولت تلك الثورة إلى حركة احتجاجات شملت جميع الأراضي السورية، تدخلت الدول العربية من خلال الجامعة العربية لحلحلة الوضع السوري، ولكن تعنت النظام وعدم الرضوخ أدى إلى فشل الوساطة العربية.
وقد تمَّ تدويل الملف السوري بعد بيان جنيف في 2012 الذي نصَّ على تأسيس هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، وبقيَ هذا البيان الأساس في أي حل سياسي مستقبلي للمشكل السوري.
كما ودعَّم البيان في 2015 بالقرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الذي نص على أربع سلال للحل السياسي في سوريا يبدأ بكتابة دستور جديد للبلاد تنتج عنه هيئة حكم انتقالية وانتخابات برعاية أممية، بالإضافة إلى إجراءات بناء الثقة التي يتم العمل عليها خلال المراحل السابقة.
أما النظام فقد تحجج بمحاربة الإرهاب وجعلها أولوية، ومن ثم توالت مؤتمرات جنيف بالانعقاد دون الوصول إلى أي تسوية، فبدأت بموازاة مؤتمر جنيف مؤتمر أستانا الذي رعتها روسيا وهي أيضاً تلاحقت سلسلتها حتى وصل إلى إعلان ترحيل جميع أوراق أستانا إلى جنيف لدعم الحل السوري، ورغم ذلك استمرَّت الأزمة دون ظهور أي بوادر للحل في الأفق.
كلَّ ما طال أمد الأزمة السورية زادت تدخلاتها وتعقيداتها، لذلك وحسب اعتقادي أن ما وصلنا إليه ليست محل صدفة بل بدراسة ومخطط دولي، هنا نسأل سؤالاً جوهرياً، نحن نتفاوض مع النظام، إذاً لماذا هذا الدمار والخراب والقتل والتشريد وخروج السوريون للمطالبة بالحرية وإسقاط النظام.
هنا أعول على أن الدول الكبرى استغلّت مطالبات السوريين بالحرية والكرامة لمآربها المصالحية، هم المسؤولون الرئيسيون على كل ما حصلت، وتحصل في سوريا.
لذلك وكما قلنا في بداية الحديث أنّ خطوط مواجهة بين الدول المتداخلة لم تتغير خلال السنتين الماضيتين سوى اختراق هيئة تحرير الشام لهذه الخطوط وسيطرتها على منطقة عفرين، هذا يدل على أنّ هذه الدول حققت ما كانت تصبو إليها. أولاً، تمَّ تدمير البنية التحتية لسوريا وهذا يعطيها دفعاً نحو المطالبة باستثمارات إقتصادية وتنموية يدرّ عليهم بالمليارات. ثانيا، فتح الطريق أمام الهجرة نحو أوروبا ما يتيح لهذه الدول بتجديد شبابها من خلال أطفال وشباب سوريا. ثالثاً، جعلت من سوريا سوقاً لتصريف منتجاتها مستقبلاً. رابعاً وهو الأهم هو هذه الأنظمة، وخاصة النظام السوري التي قد تتمرد بعد أن شددوا قبضتهم على خيرات البلاد الاقتصادية والبشرية.
السنوات الإحدى عشرة الماضية من العمليات العسكرية، أدخلت الفصائل والميليشيات الإرهابية وتحت مسميات كثيرة، أحرقت الأخضر واليابس، دمرت الشجر والحجر، شوهت الأخلاق والدين والحرية والإسلوب، حاربت الشرفاء والوطنيين والمناضلين ودافعت عن اللصوص والعملاء، شوهت الحقائق، جعل في نظر العالم من المواطن السوري الأمعة والمنبوذ بعد أن كان السوري مضرب مثل للعالم في الغيرة والأخلاق والتسامح وحب الآخرين، كل هذا التشويه قام به النظام والعالم الأجمع.
العملية السياسية فشلت فشلاً ذريعاً أمام عدم وجود إرادة دولية للحل السياسي، كانت مشهد القوة المسيطر ومن جميع الأطراف، روسيا التي تدخلت في الشأن السوري عام 2015 بعد أن قلقت من التمدد الإيراني بشكل كبير وتخوّفها من سيطرة إيران التي قد تهدّد مصالحها في شرق المتوسط، وحافظت على بقاء نظام الأسد ومنعها من السقوط، كما دفعت بكامل قوتها لإضعاف المعارضة الوطنية، ونجحت في مهامها بعد أن أصبح نظام الأسد ضمن التسويات المستقبلية لسوريا.
أما الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة ولاية ترامب كانت تتخبط في سياساتها الدولية مما أزعجت العديد من دول العالم وخاصة حلفائها، أما الآن وخلال رئاسة جو بايدن اختفت تلك الإرباك وذلك الإزعاج، وتتعامل إدارة بايدن سياسة متوازنة، وتُغلِّف في طياتها الغموض وعدم الوضوح في النهج والتحالف ما يجعل من دول الشرق الأوسط إتخاذ سياسة الحذر، والمعروف عن بايدن خبرته الطويلة في مضمار السياسة العالمية ومعرفته بمفاتيح العديد من الأمور، وقد تشهد فترة رئاسته تطورات إيجابية على مستوى شرق الأوسط والعالم، ومن تلك التطورات والمفاجآت الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، أما سوريا فقد نشهد مفاجآت مفرحة طالما انتظرها السوريون.
هناك أولويات أمريكية في السياسة الخارجية مثل الملف النووي الإيراني والملف الإفغاني والخليجي، ومن الملاحظ أن أمريكا ستقوم بترتيبات وتكتيكات جديدة، ومن الممكن يصبح الملف السوري من الملفات الاستراتيجية في الخطط الأمريكية القادمة، ويظهر ذلك جلياً في بقاء قواتها في سوريا وزيادة تمركزها وتوسيع قواعدها وآخرها إنشاء مطار عسكري أمريكي في مدينة الرميلان، وتصريحات مسؤوليها أن للإدارة الأمريكية توجهات جديدة في الشأن السوري.
في النهاية، يمكننا التأكيد أن الوضع السوري وبعد أحد عشر عاماً لم يبقَ يتحمّل المماطلة والتأجيل، وخاصة وأن الوضع الاقتصادي والمعيشي في تدهور كبير وقد تنهار جميع مؤسسات الدولة إن استمرّت الحالة على ما هي عليه، الملف السوري نحو ترتيبات جديدة هذا ما توحي إليه مجريات الأحداث الآنية والترتيبات السياسية الدولية.
الخلاصة، إن الحلول النهائية ليست بيد السوريين لا المعارضة ولا النظام، هما أصبحا أجندات للخارج، وهذا ما أراده الدول الكبرى بحيث تتنازل الأطراف السورية عن مطاليبها ويبقى رسم سياسة ونظام حكم جديد لسوريا، حسب رؤية هذه الدول، وخاصة أمريكا وحلفائها وروسيا ومن خلفهم إسرائيل.