عزالدين ملا
منذ عدة أيام شهدت مدينة الحسكة السورية أحداثاً مروعة، أدخلت الخوف والرعب في قلوب جميع مكونات المنطقة كوردا وعربا وآثورسريانا من جهة، وجعلت كافة الأطراف الداخلة والمتداخلة في الشأن السوري في إعادة حساباتها من جهة أخرى، هذا الحدث الذي أعاد صورة رعب داعش إلى الواجهة عند هجوم عصابة من الدواعش على سجن الصناعة في حي غويران، الذي يضم أكثر من خمسة آلاف داعشي، ويعدّون من أخطر عناصرها على الإطلاق، هؤلاء ينتمون إلى أكثر من ستين جنسية من مختلف دول وبلدان العالم. بالطبع، تم السيطرة على الوضع من جهة قوات سوريا الديمقراطية بدعم ومؤازرة القوات الأمريكية وتحت غطاء جوي أمريكي، ولكن بعد خسائر كبيرة مادية ومعنوية، راح ضحيتها الكثير من الشهداء، عسكريين ومدنيين.
هذا الهجوم الداعشي الضخم ذو التخطيط الدقيق يُظهر ضخامة الدعم الاستخباراتي والمادي واللوجستي في تنفيذ تلك العملية.
هنا نتساءل، من هم الداعمون؟ ولماذا في هذا التوقيت؟ ومن المستفيد؟، هذه الأسئلة تتبادر إلى أذهان الجميع، وخاصة شعبنا الذي يعاني شتى أنواع القهر والعذاب، والضغوطات المعيشية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة.
بغض النظر عن جميع الآراء والتحليلات السياسية، من أنها إحدى المسرحيات للضغط أو التغطية، وليكن بمعلوم الجميع إن ما حدث يشكل تهديد كبير وخطير على الشعب الكوردي وجميع مكونات المنطقة، وتهديد حقيقي لوجودهم وأمنهم واستقرارهم.
وهذا يثبت بأن داعش مازالت أداة لم تنته صلاحيتها لبعض الدول، أن طريقة الهجوم واجتياح السجن تدل على مدى التخطيط والدعم الذي حصل عليه داعش للقيام بهكذا عملية.
وكذلك ما لاحظناه من التشفي والعنصرية في إعلام من يعادون الشعب الكوردي وجميع مكونات المنطقة وليس ضد جهة كوردية معينة لبث الفتنة والطائفية وخلق البلبلة وحالة عدم استقرار لتنفيذ مآرب البعض من هم مستفيدون من عدم الاستقرار في المنطقة.
من خلال ما حدث فإن الأوضاع بعد أحداث سجن الصناعة ليس كـ سابقها، السيناريوهات جميعها ستتغير وسيتم رسم رؤية سياسية جديدة، إن كانت دولية أو إقليمية أو محلية.
على المستوى الدولي، أثبت هذا الحدث أن وجود الولايات المتحدة الأمريكية ضروري ولابد منه، أن تكون عامل أمان واستقرار للشعب الكوردي ولجميع مكونات المنطقة، وذلك جعل المؤسسات الأمريكية تعمل على إعادة حساباتها السياسية والنفذوية في المنطقة، ليس في سوريا فقط بل في العراق أيضا وفي كامل منطقة الشرق الأوسط، وأظهر مدى الترابط الإثني والقومي والسياسي بين سوريا والعراق، وهذا ما يؤكد وحدة المصير المشترك، والدليل وجود داعش تهديد للبلدين، وهذا ما تلعب عليه الدول المعادية لوجود الشعب الكوردي على أرضه التاريخية من جهة، ووجود الأمن والاستقرار بين كافة مكونات المنطقة من جهة أخرى، ومن المحتمل أن يكون للحدث أبعادا تتعلق بالتجاذبات السياسية في العراق، والضغط على أمريكا لفرض إملاءات إيرانية.
أما روسيا، ستكون أمام تنازلات إضطرارية في مقايضاتها أمام أمريكا والغرب، على الأقل لحفظ ماء الوجه، وأيضاً تقويض تحركات روسيا في المنطقة، بحيث شعرت أمريكا والغرب أن روسيا تمادت في هذه التحركات، فكانت أحداث سجن الصناعة تهديداً للنفوذ الأمريكي قبل أي جهة أخرى. وسيكون للوجود الأمريكي أهمية كبيرة لتحقيق الأمن القومي الأمريكي وأيضا لضمان عدم الإعتداء على الكورد من قبل الأنظمة الغاصبة لهم.
على المستوى الإقليمي، ستقوم الدول الإقليمية وخاصة تركيا وإيران بإعادة حساباتها في الملفات الشائكة، وبالتالي سيكون هناك لقاءات جديدة ثنائية وثلاثية ورباعية في المنطقة لوضع استراتيجيات جديدة تتماشى مع المرحلة الجديدة، تحافظ من خلال هذه الاستراتيجيات على نفوذها ومصيرها في المنطقة، وفي مجملها ستكون لصالح الشعب الكوردي وشعوب المنطقة جمعاء، حتى ولو كانت في حدودها الدنيا.
أما النظام السوري، في الفترة القادمة سيحاول إعطاء بعض التنازلات للكورد للحفاظ على بعض الشرعية، ولكن الموقف الأمريكي سيكون مختلفاً، لن يرضى بوجود عسكري للنظام في المناطق الكوردية، بل على العكس ستعمل على تشكيل جبهة معارضة ضد النظام في مناطق نفوذها، أي في المناطق الكوردية، وستشمل هذه الجبهة كافة المكونات السورية.
وفي ما يتعلق بالمستوى المحلي في كوردستان سوريا، سيعيد الجميع حساباتهم – وخاصة الأطراف الكوردية في ما بينهم وبين المكونات الأخرى، على الأقل في الحفاظ على ما تبقى من وجودهم.
فمنذ بداية الأزمة السورية، والأحداث تنتقل من شكل إلى آخر، تتصاعد تارة ومن ثم تخمد، وهكذا تعيد الكرَّة في كل مرة، أما هذه المرة مختلف تماما، لأن الحدث كان تهديد للنفوذ الأمريكي والغربي. ويمكن القول، أنها بداية نهاية إنهاء المشكل السوري، ويتطلب من الكورد لملمة شتاته وتجميع أدوات قوته، سياسياً وعسكرياً، وتحديد الهدف والموقف الكوردي، ومن ثم التواصل والتكاتف مع كافة المكونات السورية وتشكيل جبهة معارضة موحدة تحقق كافة طموحات الشعب السوري في نيل الحرية والكرامة ضمن سوريا المستقبل، سوريا اتحادية لا مركزية.