ما تطرحه حكومة اقليم كوردستان في مقاربتها لحل الأزمة السياسية في بغداد، ولا سيما مبادرة الرئيس نيجيرفان برزاني، التي كانت الأكثر إنصافاً وواقعية، كما-يبدو أنَّ سياسيون عراقيون باتوا يدركون هذه الحقيقة، وباتوا على يقين تام بدور اقليم لخروج السلس والمتدرج للعراق من مأزقها.
على ما سبق، الحراك الدبلوماسي الكوردستاني الذي شهدناه في الآونة الأخيرة، وما رافقه من تصريحات تبدو إيجابية ظاهرياً، فإنَّ ايران بعثت رسالة سلبية باستمرارها في تدخل بشؤون العراق من خلال استهداف اقليم باسلحة ثقيلة، بما يؤكد إصرارها على العرقلة السياسة، الأمر الذي من شأنه أن يعقد أيّ فرص أو جهود لإيجاد حلول جذرية للازمة التي قد تعصف بالعراق.
وعلى الرغم من محاولات ايران الاستمرار في استثمار الموقع الجيوسياسي في الساحة الإقليمية، من خلال مساعدة المادية والعسكرية لعراق، ودورها الفاعل في ساحة السورية الى جانب الروس، أو باستمرار العلاقة الجيدة مع تركيا، فأنها بدأت تدرك أن خيارات لعبة التوازن لا يمكنها الاستمرار، بفعل الإصرار النخبة السياسية في بغداد على سبيل المثال على عدم التدخل بشؤون البلاد، إضافةً إلى عدم اكتراث الشعب الايراني للحكومة التي انقلب عليها وخرج بمظاهرات حاشدة ضد الحكومة في طهران
تحتاج المسائل الخلافية الصعبة الحلّ في بغداد إلى زمن ليس قليلاً حتى يتم الاتفاق، الذي لا يمكن أن يستند إلى معادلة رابح بين الكتل السياسية، ففي ذلك خسارة للعراقيين ولا يمكن أن تتحقق هذه المعادلة إلا بعد رفض تدخل ايراني اذ خلقت حكومة طهران سياقاً جديد أغلق عنها رؤية التحديات، وأغرقها في البحث عن مصالحها الآنية، فلا ترى الواقع إلا من زاوية نفسها، لتحمل مفاسد شرعية، وتنتصر لسياسات الاستبداد.
لذلك، وفي ظلِّ تصاعد وتيرة الاعتداءات ايرانية ونوعية المواقع المستهدفة، هناك عدة تساؤلات تستحوذ على نقاشات الشارع العراقي ولا سيما الكوردستاني: متى يمكن أن تتوقف هذه الاعتداءات في ضوء الواقع الراهن المتخم بالنزاعات العسكرية والسياسية؟ وما طبيعة الضغوط التي يمكن أن تجبر “طهران” على احترام سيادة العراق وخاصة انّ ساحة العراقية تفتقر حالياً إلى مبادرات تبني على المصالح المشتركة وجوانب التفاهم أكثر من تطرقها واهتمامها بنقاط الخلاف القائمة بين الكتل السياسية؟ وهل محافظتها على وتيرة الاعتداءات يعني أنها قد تُدخل مواقع أخرى إلى قائمة الأهداف المراد استهدافها؟ وخصوصاً أن فعل الإدانة الوحيد الذي كان يصدر عن البغداد لم يعد موجوداً، إما مشغولة بمشاكلها الداخلية، او أنَّها على علاقات جيدة مع ايران، وإما أنها على خلاف سياسي مع اقليم كوردستان، أي ليس ثمة أمل بانتظار موقف حاسم من بغداد حيال الاعتداءات المتكررة على إقليم كوردستان.
لا شكّ في أنّ القوى الخارجية خلقوا سماسرة بين الشعب العراقي يبيعون مبادئهم بمكتسبات مادية ضئيلة لن تعني شيئاً، ولكن لا تكمن المشكلة بهولاء ،فهم لا يشكّلون إلا القلّة الضئيلة.
المشكلة تكمن في الشريحة الساكتة عن الحقّ، والتي لا تمتلك الجرأة مثقال ذرة لتسمّي الأشياء بمسمّياتها، خوفاً على منصب أو مكتسب أو خوفاً من ردود الأفعال. لذا حتى تحقق دولة العراق السيادة، فإن عليها تعميق الوعي الجمعي الجيوسياسي بحقيقة ما يجري في العراق، وإعادة هيكلة الاقتصاد وتحريك المجتمع العراقي ككل للانخراط في ادارة شؤون تحت عنوان ثقافة الصحوة، وتعزيز الولاء الوطني، خصوصاً في أوساط الفئات العراقية المتذبذبة في موقفها من ايران.