مايغفله الكثيرون من المهتمين بالشأن الثقافي للكرد السوريين حقيقة ان السياسي ، والثقافي مترابطان ، متكاملان ، لاينفصمان ، والتأثير متبادل ، ففي حين الثقافة السياسية موروثة منذ عقود ، وقرون ، الا ان للسياسة الثقافية الدور الأبرز في التجديد ، وتطوير المسار الثقافي ، وهي نابعة من نخب الشعوب ، وادارتها من ترتيب السلطات الحاكمة الدكتاتورية منها ، والديموقراطية ، وفي الحالة الكردية المشخصة في الوضع السوري الراهن تقوم سلطة الامر الواقع لحزب – ب ي د – وملحقاته ، والأحزاب الأخرى خارج السلطة ( ولو بشكل جزئي غير مباشر ) ، برسم وفرض السياسة الثقافية ، والخطاب السياسي ، وتتحمل المسؤولية الكاملة في جميع المآلات ، والنتائج المترتبة على الحاق الضرر بكل ماهو ثقافي في المشهد الكردي العام .
الثقافي في ظل ذوبان الشخصية السياسية المستقلة
أحد أسباب أزمة الحركة الكردية السورية ، بل أهمها ، واخطرها هو التبعية السياسية لمصادر أخرى ، والتخلي ، او الاهمال المقصود عن وللمورث السياسي لتراكمات نضال الكرد السوريين أقله منذ حركة – خويبون – قبل اكثر من قرن ، ومااعقبتها من تطورات نوعية في مجال استمرارية النضال القومي ، والوطني ، وإقامة الجمعيات ، وحركات المجتمع المدني ، وتشكيل التنظيم الحزبي الأول ، وتجربة الاتحاد الشعبي في إعادة تعريف الشعب ، والقضية ، والحقوق ، وترسيخ التحالفات الوطنية والكردستانية ، والاممية ، واحياء الثقافة الكردية ، وتنشيط عملية التاليف والترجمة والطبع والنشر ، ودمج الثقافة بالسياسة بأجلى وابهى صورها ، واستنباط خطاب سياسي – ثقافي موزون ، وعميق : ( القضية الكردية جزء من النضال الوطي الديموقراطي في سوريا – حل القضية الكردية على مبدأ حق تقرير المصير في اطار سوريا تعددية تشاركية موحدة – احياء الثقافة الكردية ، والتصالح بين الثقافي والسياسي – تحريم التبعية لانظمة الدول الغاصبة لكردستان – علاقات التعاون والتنسيق مع العمق الكردستاني وعدم التدخل بشؤون البعض الاخر .
بعد اكثر من نصف قرن ، وتحديدا منذ اندلاع الثورة السورية المغدورة ، وبعد توافد مسلحي – ب ك ك – ، وسيطرة ب ي د على مقاليد سلطة الامر الواقع ، وبعد تبادل الأدوار بين أحزاب طرفي الاستقطاب ، واجهت الثقافة السياسية تراجعا خطيرا ، وتبدلت تسمية كردستان السورية الى ( شمال شرق سوريا او روزئافا ) ، وطالت الهجرة والتهجير اكثر من نصف السكان وجلهم من المنتجين في مجالات العمل اليدوي والفكري والابداع الثقافي ، وتحولت قضية كرد سوريا الى مجرد نزاعات بين المحاور الكردستانية ، أو قضية مواجهة مع تركيا وليس النظام السوري ، وذابت الشخصية القومية لكرد سوريا ، ولم تعد للثقافة أية قيمة ، بل الحق الثقافي بالسياسي عنوة اما بالعنف او بالترغيب المالي على ضوء تردي الوضع المعيشي ، واصبح الخطاب السياسي الوحيد الدارج هو المماحكات الحزبية ، والاتهامات المتبادلة ، والتخوين .
اين موقع الثقافي في المشهد السياسي المتردي الراهن ؟
لم يكن المتعاطون مع الشأن الثقافي ( ولاأقول المثقفون ) في الحالة الكردية في أحسن أحوالهم ، بل لم يكونوا محصنين من التأثيرات الحزبية السياسية ، فانجرفوا بغالبيتهم مع الخطاب السياسي الغالب ، حيث كانوا الضحية الأولى لعملية ذوبان الشخصية الكردية السورية في المجال السياسي التي طالت الشخصية الثقافية أيضا ، وبدلا من الصمود امام التدهور الحاصل ، ولملمة الجراح ، والاستنجاد بالسلف الثقافي الكردي السوري وهو مصدر الاعتزاز ، وعنوان الاصالة ، من الموروث البدرخاني الأكثر غنى على الصعيد الكردستاني ، والاعمال الأدبية ، والشعرية ، والغنائية ، واللغوية لجيلين من المبدعين من جكرخوين ، واوصمان صبري ، ونوري ديرسملي ، وقدري جان ، ورشيد كرد ، وحسن هوشيار ، وجميل هورو ، وبافي صلاح ، وسليم بركات ، والعشرات من الأسماء الأخرى اللامعة منهم من رحلوا عنا ومنهم من مازالوا بيننا ، نعم للأسف أقول بدلا من الاهتداء بالسلف المعطاء ، اقتدوا بالسياسي الحزبي بالانقطاع عن الجذور والتبعية والاستسلام ، اما بالطاعة العمياء لصاحب القرار السائد أو التعويض عن النقص عبر التوجه نحو الخارج ، ، والانقطاع عن الجذور .
ليس عيبا التفاعل مع النشاطات الثقافية في الجوار الكردستاني ان كانت في ديار بكر ، او أربيل ، او السليمانية ، او دهوك ، او مهاباد ، لان لغتنا واحدة رغم تعدد اللهجات ، ولكن العيب كل العيب في اعتبار مايحصل بالجوار هو القدر المحتوم ، او مقياس الثقافة القومية ، او مصدر حسن السلوك الثقافي ، او ختما للاهلية ، والابداع لاينعم به الا من حضر الفعاليات ، صحيح نحن شعب واحد في الأجزاء الأربعة ، ولنا لغة موحدة ، ولكن لدينا خصوصيات ثقافية ، واجتماعية ، كما الخصوصية السياسية ، ولدينا أيضا تأثيرات متنوعة من المحيط الوطني ، فالمهتمون بالشان الثقافي من الكرد السوريين اكثر تأثرا بالمشهد الثقافي السوري ، وكذلك الامر في أجزاء كردستان الأخرى حيال البعد الوطني العراقي ، والإيراني ، والتركي ، والامر الآخر فان المسار الثقافي محكوم بشروط وعوائق في جميع الأجزاء ، كما لدى سلطة الامر الواقع لايمكنه الخروج من دائرة أصحاب القرار .
المهتمون بالشأن الثقافي بكل جزء وفي الدياسبورا من جمعيات ، واتحادات ، ومراكز ،من واجباتهم إقامة فعاليات ثقافية ، ودعوة من يشاؤون ، وهي ستصب بالنهاية ومع كل المآخذ في المجرى العام للثقافة القومية ، وذلك لايعني ان مايصدر عنها يمثل النخبة الكردية في كل مكان ، فهناك كيانات باسم الثقافة على سبيل المثال وتماما مثل حالة الأحزاب يقودها شخص فرد منذ عقود ، ولايتبدل ، فهل يمكن التعويل على مثل هؤلاء بان يمارسوا الديموقراطية ، والتشاور الجماعي في مسألة حسن اختيار المحاور الثقافية ، او في توجيه الدعوات خلال عقد المهرجانات ؟ .
لقد تابعت مداخلات عدد من المهتمين بالشان الثقافي من الكرد السوريين بخصوص ( مهرجان دهوك الثقافي ) وبالرغم من ان غالبية هؤلاء من الأصدقاء ، والاحبة ، الا انني تالمت حقا من طريقة تناول بعضهم للموضوع ، التي لم تحمل أي تقييم نقدي مستقل ، او تحليل لابحاث ودراسات قدمت بالمهرجان ( هذا في حال توفرها ! ) بل كانت عبارة عن ردود فعل في اطار ( الشخصنة ) على دعوة فلان ، او عدم دعوة علان ، لم تخرج من اطار المجاملات ، والتحابي ، البعض منها الى درجة الرياء ، كما لاحظت مااصاب البعض من احباط لان أسماءهم لم تكن في قائمة المدعوين .
مهلا ياسادة فمهرجان دهوك الثقافي لن يكون نهاية الدنيا ، وخاتمة النشاطات الثقافية ، ولن يكون النموذج الأمثل اعدادا ، وتنظيما ، ودعوات ، ولن يكون الغائبون عنه ( لاي سبب كان ) اقل ثقافة ، وعلما ، ومعرفة من الذين دعوا اليه ، وعندما تحل ازمة حركتنا ، ويعود السياسي الى التصالح مع الثقافي فهو بحد ذاته اكبر واعظم المهرجانات في حياتنا الثقافية .
وفي الختام أقول للجميع من متابعي الشأن الثقافي من الكرد السوريين : لن يكون لكم ولا للسياسيين اية قيمة لدى القريب والبعيد مادامت حركتنا السياسية مفككة ، ومنقسمة ، تتحكم بها أحزاب طرفي الاستقطاب ، فماعلينا جميعا الا التعاضد من اجل إعادة بناء الحركة الكردية السورية ، وإعادة الاعتبار لشخصية الكرد السوريين القومية ، والوطنية المستقلة .