من خلال النظرة العامة على مجريات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في تلك الدول التي ترزح تحت وطأة الفوضى والأزمات، تجد أن كافة أوراق الحل قد خرجت من أيدي المعنيين إن كانت أنظمة أو شعوب، لذلك نرى أن وتيرة التعامل بين المتحاورين في تلك الدول لا يخرج من سياق الاتهامات، أما من يضغط على زمام الأمور هم الدول البعيدة والقريبة عن تلك المنطقة.
المشهد الساخن الذي يتصدر الساحة السورية والعراقية عامة والمناطق الكوردية على الوجه الخصوص، تعتبر الواجهة المقلقة ليس فقط للكورد بل لجميع شعوب المنطقة وبكافة مكوناته وأطيافه.
لذا نستطيع القول، أن مصير التفاعلات المحلية والإقليمية والدولية أصبح انعكاسا لطبيعة العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا من جهة والولايات المتحدة الأمريكية والصين من جهة ثانية، ومن ثم انعكاسه على طبيعة التوازن الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط التي تسعى بعض الدول الإقليمية تمرير أجنداتها كـ “تركيا وإيران” واستغلال تلك الطبيعة لصالح مآربها ونفوذها الطامعة والتوسعية.
وعليه تكون ورقة السياسة التركية والإيرانية إلى حدٍ ما قوية من حيث الضغط والمساومة والمقايضة أمام أوراق البقية، إن كانت من الدول أو الأنظمة أو حتى مِمَنْ يرزحون تحت وطأة الاستبداد والديكتاتورية كـ الشعب السوري والعراقي.
وهذا ما نلاحظه في تعاملات تركيا وإيران بالملفات العالقة المرتبطة بهما وسحب ما يمكن سحبه من مكاسب نفوذوية ومصالحية.
فهذه الأحداث الجارية والخلل التوازني الدولي لن يتكرر على المدى القريب، بل تحتاج إلى فترات طويلة، لذلك اللعب التي تمارسها تركيا لا يأتي من فراغ، بل المعرفة السياسية وكينوناتها ومداخلها تجعل من السياسة التركية ورقة ضغط ومقايضة أمام ضعف المعرفة السياسية لدى من يقابلها مِمَن يواجهون الظلم والطغيان من الشعب السوري وبكافة مكوناته وأطيافه إن كان كوردا أو عرباً أو سرياناً وآشوراً وغيرهم.
وفي الجهة المقابلة تسعى إيران ابتزاز الغرب من خلال ورقتها القوية في الوقوف على استغلال مكانتها الجيوسياسية في منطقة النزاع الدولية، وهذا التلاعب بالأوراق السياسية والاقتصادية في المنطقة، تجعل منها أيضا اللاعب الاستراتيجي في ترجيح كفة الميزان، ويظهر جليَّا في الملف العراقي والتخبطات السياسية والأمنية، وقدرتها على خلط الأوراق في المسلسل العراقي وخلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار من خلال تحريك أدواتها على الأرض.
هذا إلى جانب الترتيبات الجديدة التي عملت الولايات المتحدة الأمريكية على اقامتها في المنطقة مستغلة هيمنتها على شؤون تفاعلات في منطقة الشرق الأوسط سياسيا وعسكريا، فضلا عن هيمنتها الاقتصادية سيما وان معظم دول الخليج تمتلك إمكانيات اقتصادية هائلة وخاصة النفط، بالإضافة إلى موقعها الجيوستراتيجي التي سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى استغلاله لإقامة قناة تمديد الدول الأوروبية بالطاقة من جهة واستخدامها سلاح في وجه روسيا والصين من خلال الموقع الجيوسياسي التي تتمتع بها وتحكمها بـ الطرق البحرية والبرية والجوية الهامة من جهة أخرى، لزيادة العُزلة والضغط عليهما، واجبارهما على الرضوخ والتنازل.
كما واثرت الحرب الروسية الاوكرانية على شبكة العلاقات الإقليمية القائمة وبالتالي لن تكون هذه العلاقات مركزية على الاطلاق، بل ستتعدى أبعد من ذلك، ما يحصل في الشرق الأقصى من توترات بين الصين واليابان ودول أخرى بداية لمرحلة جديدة في بناء نظام عالمي جديد، ولا يمكن حتى الآن تحديد ماهية ذلك النظام العالمي الجديد. وتوجه الولايات المتحدة الأمريكية إلى تايوان ليس سوى خلق توسيع نطاق الضغط على روسيا، وردع الصين عن تحالفها الاقتصادي مع روسيا، وإجبار الأخيرة إلى إنهاء الحرب والرضوخ للمطالب الغربية.
هذا التفرع في الأحداث وتوسّعها خَلَقَ حالة فراغ في الحدث السوري التي جعلت من تركيا استغلالها لتنفيذ ما كان مخطط له سابقا، بقضم أجزاء أخرى من الشمال السوري أي المناطق الكوردية، وإمساك تركيا العصى من الوسط في تعاملها مع الحرب الروسية والأوكرانية مما يعطيها هامش الحرية في التحرك والتصرف على حساب الشعب السوري، وفرض إملاءاتها من خلال سياسة الوساطة والمراوغة في الأحداث الجارية العالمية.
وعليه يتطلب من كافة القوى السورية بكافة مكوناته، تدارك هذه السياسة والعمل على تجميع قوتها والسير نحو هدف واحد وهو المطالبة بتطبيق قرار الأممي 2254 والوصول إلى حلٍّ سياسي يضمن حقوق الجميع ضمن سماء سوريا اتحادية لا مركزية، وإلا سيكون المصير نحو مستنقع مجهول لا يأمن منه أحد ولا منتصر.
وأيضاً، الوضع العراقي، إن لم تتوصل القوى السياسية الفاعلة في المشهد العراقي إلى حل جذري، يحدد مخرجات عراق اتحادي يأمن حقوق الجميع ضمان غطاء الوطن للجميع، سيكون العواقب كارثية لا يخرج منها أحد منتصراً