قراءة: صراع وجودي هو الاعنف!

صراع وجودي هو الاعنف!

روماف – رأي 

عندما نفكر في التاريخ القريب، مقروء كان أو مرئي، نلاحظ هناك تحليلات فيها قدر كبير من الاخطاء سواء من جهة الموضوع أو الذات، بكل الأحوال الخطأ يعتبر جزء من العمل الإنساني، فمن المعروف بأن أي حضارة أو امبراطورية أو أي ظاهرة اجتماعية أو حتى طبيعية مرت أو ستمر بثلاثة مراحل إجبارية وهي: الصعود، الاستقرار ومن ثم الهبوط، وما من تجربة فردية أو جماعية شذت عن هذه القاعدة، هذه المراحل سمة كل الامبراطوريات، وهي كانت في حالة النسيان الدائم وتبين أن لا أحد قد استفاد من هذه القاعدة بتصرفات فردية لا ترقى أن تكون مدروسة وفق برنامج عمل تلك الأمبراطوريات، وبالأخير كلها آلت إلى السقوط. لننظر إلى تسعة واربعين امبراطورية التي حكمت العالم منذ فترة طويلة كلها آلت إلى الجلوس وبقي لهم ذكرياتهم يسردونها هنا أو هناك، بهذا المعنى شرح الفيلسوف الاغريقي لجنكيزخان عندما زاره في حديقة منزله، وهو يتشمس ماذا تستفيد لو أنك بالاخير سوف تنام مثلي وتتشمس!. إذاً تعال افعل منذ الآن ووفر تعبك!.
وكأننا اليوم نعيش أجواء الحرب العالمية الأولى والثانية، من حيث مواقف شد ورخاء، اللعب بالكلمات، الكذب والنفاق تلك هي لعبة الاعلام، تظهر كل لحظة بشكل ما. أما اليوم فأن روسيا هي مستهدفه عوضاً عن المانيا، في تلك الفترة كانت روسيا قد انفصلت عن القوى الرأسمالية التي قسمت العالم حينها، وفضحت خططهم التقسيمية للدول العربية، هذه الالفية تعود روسيا بشكل قهقري بمعنى سيعود من طلاقه إلى لم شملها مع العالم الرأسمالي الذي لم يوافق على عودتها نتيجة تعنت القوى التي لا تثق بروسيا كدولة ديمقراطية، بالأمس كانت لروسيا صوتاً مسموعاً في العالم، وترأست الاسرة الاشتراكية، لفترة سبعين عاماً واليوم فأن الوجود الروسي بات على المحك ويريدون تقسيمها وهذا ما ذهب إليه زبيغينو بريجنسكي في كتابة لعبة الشطرنج! علماً أن روسيا لم تقتسم الكعكة مع أحد! فلماذا هي مستهدفة اليوم ياترى؟ أية منفعة اقتصادية تجنى من وراء غيابها؟ علماً أن القيادة الروسية وسياسييها ليسوا بكهذا سذاجة.
بكل الأحوال الشيء المعروف لكل الروسيين أن معركتهم هي معركة وجود، فأثبات الوجود هو بحد ذاته انتصار للقيادة الروسية، هناك قول مأثور يقول: العالم يتغير سواء بوجود روسيا أو غيابها. إذاً الروس هم مستهدفين من قبل العالم الرأسمالي، لجهة غناها بالثروات الباطنية، وبترولها وقمحها تستطيع أن تمد العالم بكل ما يلزم، وكذلك لجهة ترسانتها العسكرية التي تنافس حلف الناتو، وجغرافيتها أيضاً تلعب دوراً رئيسياً في هذا المنحى، لهذا فأن الروس قادرين أن يقاوموا موتهم في هذه المرحلة، وغناها سوف تكون حجر الزاوية لوجودها، وأعتقد باستطاعة أسلحة الدمار الشامل أن تحمي حدود روسيا، هي بمثابة سائل الامينوسي الحافز لسيادتها الوطنية، السؤال الذي يطرح نفسه لما القارة الاوروبية لا تعير انتباهاً لروسيا كونها مستعمر من قبل امريكا، كنا نقول أن الدول الرأسمالية هي جبهة واحدة فتبين فيما مضى تلك القوة ليست متجانسة فيما بينها نتيجة عاملين أساسيين هما: المصلحة الاقتصادية الحصة الأكبر لمن سيكون؟! والعامل الثاني هو عامل القوة التي يتمثل في وجود الجيش القوي. طبعاً الحصة الأكبر ستكون الدولة التي تملك القوة العسكرية والتي تستطيع أن تحمي تلك المصالح الاقتصادية والقائمين عليها.
طيلة السنوات المنصرمة كانت امريكا قد حاولت على تغيير البنية الفكرية للدول الرأسمالية والتي يجب عليها أن تعترف بسيادتها على العالم كدولة قوية، وعليها أن تعترف بحدود الأمبراطورية الأمريكية، عليها أن يتعاونوا معها وهي جاهزة أن تستقبل أي عمل من شأنه أن تدافع عن دول الحلف المقدس، ولا أحد يفلت من عقاب هذا العالم المتوحش. هذه دول الرأسمالية كانت ضد الشعوب قاطبة فهي كانت ضد تطلعات الشعوب نحو التحرير مثل الكورد والامازيغ والشعب الفلسطيني وكذلك صهرت كثيراً من القوميات ضمن مساحتها عنوة لأن مصلحتها الأقتصادية هكذا تتطلب، مثل كتلونيا التي باتت مسماراً في نعش الديمقراطية الاوروبية. أمريكا تريد العالم على شاكلة مصلحتها الاقتصادية وعلى الجميع أن يسجدوا لها، فاليوم تحاول ان تضرب اوروبا ببعضها البعض مثل الحرب الروسية الاوكرانية فهي تحاول أن تقضي على روسيا كترسانة عسكرية وفيها ثروات باطنية كثيرة، نلاحظ أن اوروبا التفت حول السياسية الامريكية كدول تابعة لها ونسيت تاريخها الاستعماري وقوتها قبل مئة عام والأنكى من ذلك فهي تعمل ضد مصلحتها القومية بالتمام والكمال، على أثر ذلك نرى بأن الاتحاد الاوروبي على وضم التشريح والتفتيت! وكذلك الغاز الروسي قد خلق حالة مربكة للحكومات الأوروبية، نتيجة لهذه التبعية فقد منيت بالهزيمة الساحقة من حيث العقل الطبي أثناء جائحة كورونا، وكذلك فشلت في بناء جيش يحمي مصالحها الاقتصادية، وكذلك ساعدت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الاوروبي، كذلك الوضع الايطالي على محك حول بقاءها ضمن الاتحاد، سارعت عن تأمين احتياجاتها فردية من خارج الاتحاد، وكل تلك الاسباب قد جعلتها تابعة للسياسة الامريكية، واليوم صرح الرئيس الفرنسي أن اصدقائنا الأمريكيين المحترمين يبيعوننا غازهم باضعاف مضاعفة.
إن وضع الدول الاوروبية أمسى يرثى له، كل المعطيات تدل على تفكك اتحادها لأن فكرها بات تصغر يومياً من حيث العدالة والمساواة والديمقراطية أمست على المحك، لنلقي نظرة على الواقع الاقتصادية واسعار البنزين وارتفاع اسعار المواد التموينية بشكل جنوني، مقارنة مع الوضع في سورية وهي دولة زراعية مستهلك ومقسمة مع العصابات الاسلامية والحروب مشتعلة فيها منذ عشر سنوات فأن المواد التموينية هناك أرخص من أي دولة أوروبية بعد أزمة اوكرنيا، أيلام يدل ذلك ياترى؟. والشعوب الاوروبية نائمة وإن دل على شيء فأنما يدل على كم أفواه شعوبهم وتدجينهم ضمن قالب معين على أن ثقة الشعب بحكومته يجب أن تبقى حجر الزاوية، وينسى مقولة أن المثقف لا يمكن أن يكون مع أي دولة كانت لأنها تحمل بذور القمع ولو ظهرت بخلاف ذلك، ووجودها مغلف بألف غلاف. لنعطي مثالاً بسيطاً مازال الفرنسيين يتباكون على الثورة الفرنسية وما يستشف من ذلك هو الركود الثقافي التي بقيت هناك ولم يستقَ منها أي دورس وعبر! ثانياً أن الثقافة الاوروبية اليوم تعاني من الركود أيضاً كونها أصبحت من الدول المستهلكة وجعل شعوبهم عبيد لقمة خبزهم؟.
اعتقد أن الأوروبيين قد أخطأوا كثيراً وسيدفعون الثمن عالياً عندما تركوا امريكا تقودهم في حرب أوروبية، روسية اوكرانية، وكان عليهم أن يلتفوا حول روسيا ويتفهمون وضعها كدولة ذي ترسانة نووية كبيرة، وكذلك كان عليهم أن يتعاونوا معها حول الاتقافيات التي ابرمت مع الاتحاد السوفياتي عقب أنهيارها، وما كان عليهم أن يتناسوا أنها دولة اوروبية ولها باع طويل في التاريخ، ولها أمنها القومي وحدودها المرسومة منذ الالاف السنين، وهي أي روسيا حاولت أن تدخل في سوق اوروبية تم رفض طلبها بحجة أنها دولة دكتاتورية، وتناسوا أن تركيا افتعلت مجازر الأرمن، وتاريخها المليء بالجرائم ضد القوميات الأخرى كالكورد والعرب والأرمن والسريان والقبرض واليونان، وحزب الحاكم هو اسلامي، كذكلك سيطرت على الجامعات والاعلام، وكم افواه الجميع، وفي سجونه ملايين الأبرياء وسجناء الرأي وهي دولة نشأت على حساب قوميات أخرى، كذلك افتعل الحرب على ناغورني كرباغ، وتدخلت في ليبيا وضمت الاراضي السورية، واشترت الصواريخ الروسية اس 400 وهي عضوة في الحلف الناتو، الذي يملك الثقافة سوف يحارب تركيا اقتصادياً نتيجة لكل ما ذكر، بينما الاقتصاد عمت عيون الاوروبيين ويرون تركيا دولة ديمقراطية، هل هناك اسخف من هذا الموقف!!، بينما لدى روسيا هناك عشرات القوميات التي حصلت على حقها الثقافي والاقتصادي وليست هناك وجه الشبه بين الدولتين، وتركيا تعتبر من أكثر الدول منتهكة لحقوق القوميات والافراد، وأن دل على شيء فأنه يدل على فقر ومستوى الحضيض الذي وصلت إليه الدول الاوروبية، لذلك عليها أن تدفع ثمن هذه الاخطاء، عاجلاً أم آجلاً وهو أمر معروف في التاريخ الفلسفي والسياسي!.
وكذلك أريد أن أسجل هنا، أن الاسلام السياسي هي صناعة اوروبية بامتياز جميل، ففي أوروبا هناك مجموعات اسلامية لن ترى مثل تشددها في الدول العربية، وهذا الأمر ضد حقوق الانسان أولاً وهي تحقق مصالحها الاقتصادية وبعدها فليكن الطوفان، هذا التفكير الضحل من الطبيعي أن تصبح دول تابعة للأمريكا باعتبارها تملك الترسانة النووية وهي ضد الديمقراطية لانها تزرع الخوف في نفوس المواطنبن!.
أنا اعتقد أن روسيا ستربح المعركة _ وهذا ليس موقفي لأنني أنا ضد أي دكتاتور في العالم_، ولكن من يحارب من أجل وجوده فهو سينتصر حتماً لأنه لا يملك كثير من الخيارات، وهي إرادة نادرة عليها أن تثابر وتتقدم بخطى نحو انتصارها، ومن أجل المال فالجنود يهربوا من المعركة وهو أمر معروف، هذا الموقف أعرفه جيداً لأن الدول الأوروبية ومعها تركيا تحارب الكورد منذ أكثر من قرن، وتستخدم أف 16 ودبابات الالمانية ومتخلف اسلحتها المتطورة ولم تنتصر يوماً على الكورد لأن معركتهم وجودية، ولو أنهم يحرقون الأخضر واليابس لكنها لن تصل إلى مبتغاها.

المصدر : الحوار المتمدن 

صفحتنا على فيس بوك

أقرأ أيضاً

مقالات أخرى