روماف – ثقافة
اكتشاف مبكر
في الصف السابع، اكتشفه مدرس مادة الرسم في عامودا. كان فقيراً ولم يكن يملك سوى دفتر واحد يدوّن عليه وظائف جميع المواد حتى الرسم. يعده المدرس بشراء أدوات للرسم ودفتر خاص به ودفاتر للمواد الباقية مع قرطاسية كاملة.
«كان ذلك أكبر حافز لي دفعني إلى الاستمرار». يقول رحيمو، خريج كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق عام 1991. الرسام الذي تنتشر أعماله الفنية في سوريا، ولبنان، وقبرص، وأستراليا، وإيطاليا، وهولندا وفرنسا.
تعرفت إليه قبل حوالي عشرين عاماً. كان يعمل هو في الديكور لدى قناة تلفزيونية كوردية وكنت أقدم فيها الأخبار باللغة العربية.
ولأنني أحبه كفنان ملتزم بعمله وأقدر فنه الجميل فقد حاولت عدة مرات أن أقدمه عبر مقابلة أو حوار صحافي لكنه كان يتردد ويتهرب بشكل لبق من المقابلات. وبما أنني أعرف أن فنه أصيل ويستحق المتابعة والاهتمام فقد لاحقته كثيراً إلى أن أقنعته بزيارته في بروكسل وعمل حوار مطول معه بخصوص سيرته الذاتية وفنه الجميل.
انطلقنا أنا وزوجتي زين بالسيارة من بوخوم إلى بروكسل في العاشرة صباحاً. كان الجو متقلباً. السماء تمطر أحياناً ثم تظهر الشمس في أحيان أخرى. «إنها أوروبا وهذا مزاجها»، أقول لزوجتي التي تطوعت لتقود السيارة بينما أشتغل أنا على إكمال تحضير الأسئلة في الطريق، فتوافقني بإيماءة من رأسها. وصلنا بعد حوالي ثلاث ساعات إلى المبنى الذي يسكن رحيمو وعائلته الصغيرة في شقة منه في الطابق السابع.
لوحة التخرج
بعد التحيات المتبادلة بدأ الحوار على الفور. طرحت عليه سؤالي الأول حتى قبل أن يحضر الغداء الذي أصرت زوجته أن تصنعه لنا.
يجيب الفنان الوسيم، الأنيق ببساطة لافتة، والذي تزين لوحاته أغلفة كتب كثيرة، ويحدثني عن لوحة التخرج:
«كانت عن عازف كوردي بيده آلة الطنبور. أثارت اللوحة بعض اللغط. لماذا اخترت الطنبور، سألوني. بطبيعة الحال كانت لوحتي انعكاساً لأهمية الموسيقى لدى الكورد. الكوردي يعزف الموسيقى ليبدد تعبه بعد الحصاد أو أي عمل شاق. حتى لو كان الكوردي خارجاً من مجلس عزاء وسمع الموسيقى فسيطرب لها. سيذهب إلى الرقص إن سمع الطبل والمزمار».
يتحدث رحيمو عن ذكريات عمله الذي لفت الأنظار ويحكي كيف أن صلاح الدين محمد، وهو من نقاد الفن السوريين المعروفين وأصله كوردي، رأى اللوحة فأعجب بها وطلب إشراكه في المعارض القادمة متنبئاً «سيكون لهذا الفنان بصمته الخاصة».
الإبداع بين الحظ والمثابرة
نتحدث عن الفرص الضائعة. عن الحظ الذي يفتح أمام بعض الفنانين أبواباً يحلم بها الجميع فيقول بهدوء: «ما يجذبني في الفن هو هذا التراث الفني العالمي. الأصالة التي يمكن أن أقدمها خلال اللوحة. أما الحظ فإن جاء وفتح الباب أمام فنان غير أصيل فإن لوحاته ستضيع فيما بعد. أنا أحاول رسم لوحات لا يرميها الناس وراء ظهورهم. ليس مهماً أن أكون معروفاً في زمني. المهم أن ينصفني التاريخ. تماماً مثل حال اللقى الأثرية التي يمر عليها زمن طويل فتزداد قيمة بذلك. يتخاطفها التجار، يزيلون عنها غبار القرون. ويدفعون فيها أسعاراً خيالية».
يشكو رحيمو، صاحب التاريخ الطويل من المشاركات في المعارض الفردية والجماعية في أوروبا وسوريا، من الاستهتار بالفن وتشجيع بعض المؤسسات لذلك. يقول إن «الكبرياء الفني الأوروبي لا يمكن أن يقبل بروز فنان قادم من عامودا على حساب فناني البلد ليمثل بلجيكا مثلاً في المعارض العالمية». يحدثني بحسرة واضحة عن الفنان البلجيكي ألشينسكي: «لوحاته عادية. لو قارنته بأي فنان عادي من فنانينا لما اختلف عنه بشيء. لكن تُعرض لوحاته في السنة مرة أو مرتين في أرقى المتاحف الملكية في بروكسل. لديه ورشة ضخمة جداً يعمل فيها أربعة عشر رساماً يرتدون المراويل ويرسمون اللوحات، ويأتي هو ليضيف إليها إضافات بسيطة ويوقع عليها في النهاية». لكن ماذا يمكن أن يفعله الفنان في هذه الحالة؟ أسأله فيجيب: «يرسم. يرسم بأصالة. سيأتي اليوم الذي يعترفون فيه به». أقول مستفزاً: ما فائدة أن تباع لوحة من لوحاتك مثلاً بعد مئة عام بمليون دولار؟». يصمت قليلاً كأنه يجمع أفكاره وسرعان ما يستشهد بتجربة بول غوغان وبؤسه وتفانيه في الرسم منشغلاً عن أسرته وابنه المريض. ألمح في نبرة الفنان رحيمو ما يشبه إسقاطاً لاواعياً لوضعه. يقع ابن غوغان مريضاً بينما يغادر هو إلى هايتي للرسم.
«الآن يزور جناح بول غوغان في باريس عشرات الألوف من عشاق الرسم. رسوم الدخول وما يصرفونه هناك ثروة كبيرة. هذه الثروة أو ريع ومداخيل زيارة لوحات غوغان تُصرف على العائلات الفقيرة التي تعيش على المعونات الاجتماعية. تخيل كم طفلاً يتلقى زجاجة حليب، أو قرطاسية، أو مبلغاً من المال بفضل لوحات غوغان! أصبح ابنه ضحية. لكن عشرات الألوف من الأطفال الآن يستفيدون من ريع مشاهدة لوحاته».
مقارنة رهيبة وفلسفة عميقة يوصلها الفنان رحيمو عبر ما أورده عن الفرنسي الانطباعي بول غوغان. التفاني في الفن لا بد أن يأتي بثمار بهية حتى لو بعد زمن طويل.
الأصل في الفن هو المتعة
رحيمو المولود في عامودا، البلدة السورية الكوردية الصغيرة الواقعة على الحدود الدولية بين سوريا وتركيا يتحمس للحوار رويداً رويداً. تعجبني استطراداته التي يخرج في بعضها عن خط الحوار. إنها إضافات جميلة لكن المساحة لا تكفي لتدوينها كلها. أسجل حديثه كله وأعرف أنني مضطر لاقتطاع قسم صغير منه يفي بحاجة «كوردستان بالعربي».
يستمر في حديثه عن المتعة الهائلة التي يمنحها الرسم. يقول: «ليتك كنت رساماً لتفهم ما أقول. هل تعرف أن قضاء ثماني ساعات أمام اللوحة يمنحك متعة خفية تساوي كنوز العالم. تمر تلك الساعات كأنها دقائق».
أقاطعه بأنني أديب وأعرف هذه المتعة التي تتحدث عنها. فإنجاز نص أو مقطع صغير من رواية يرفع نسبة السعادة إلى مستويات عليا.
يعود لبسط مفهومه عن متعة الفن وقدرته على تحريض الخيال وإثارته. «أثناء الرسم أستمع إلى عارف جزراوي (مغني كوردي كلاسيكي عظيم). هل تصدق أنني أذهب إلى تلك الأماكن التي يتحدث عنها عبر صوته؟ أرى نساءها وأثوابهن الجميلة، أرى القرى وما يجري فيها، أرى الجبال والأنهار التي ترد أسماؤها في أغنيته. تتسلل هذه الأشياء إلى اللوحة من خلال تفاصيل لونية من دون أن أدري. أستطيع أن أحدثك عن كل رقعة صغيرة من لوحاتي وكيف أثر كاويس آغا (من كبار المغنين الكورد) فيها مثلاً. في كل مساحة لونية، في كل سنتيمتر أثر للموسيقى والأغاني».
أستمتع جداً بهذا الحديث عن التمازج بين الموسيقى والرسم. أعرف رسامين كثيرين لا يمكنهم الرسم من دون مصاحبة موسيقى يحبونها.
«الغداء جاهز. تفضلوا». تقول زوجته فنقطع الحوار على أمل أن نكمله لاحقاً.
آفينو لويس، حوار في المرسم
لاحقاً يأخذني الفنان إلى مرسمه الواقع في حي آفينو لويس الشهير في جنوب بروكسل. تنطلق السيارة الصغيرة ويستمر الحديث في الفن والشهرة وعلاقتهما بالحظ. بعد حوالي نصف ساعة نصل.
المرسم يعج باللوحات المكتملة وتلك التي ما زال الاشتغال عليها جارياً، لوحات بديعة متراكمة. لا مكان للسير بينها إلا بصعوبة. «هذا المكان الصغير ينتج أعمالاً عظيمة». أقول له فيضحك غوستاف كليمت الكورد، هكذا يلقبه البعض، ولمعة الرضا تشع من عينيه ثم يقول: «المكان ممتاز.. المهم أن لي مكاناً أقف فيه لأرسم».
«هل تعرف أنني وضعت لوحاتي في بعض المطاعم بسبب ضيق المكان؟». يقول بأسى واضح ثم يستدرك: «سنذهب لاحقاً لنراها».
الفنان الحائز على الجائزة الثانية لرسامي المهجر في بلجيكا عام 2000 يحضر القهوة وهو يدخن. أسأله: «لقد مارست العمل السياسي الحزبي فهل لك أن تتحدث عن العلاقة بينهما؟». فيجيب بصراحة: «السياسة الحزبية التي مارستها غير مؤمن بها كانت مفتاحاً لما هو أهم. أردنا التأسيس لقاعدة ثقافية يبنى عليها العمل السياسي. لكن مسعانا فشل. لم تكن هناك أية علاقة لما أرسمه بالسياسة التي انخرطت فيها. وبمجرد ما كنت أنتهي من اللوحة وأغلق باب الأتيلييه كانت علاقتي بالرسم تنتهي لتبدأ علاقتي بالنشاط السياسي.
تعرفت من خلال السياسة إلى عدد من المثقفين السوريين الكبار مثل مصطفى الحلاج وإبراهيم صموئيل والسياسي عبد العزيز الخير. كنت أحاول من جهتي أن أمثل قضيتي الكوردية في محافلهم وعبر لوحاتي».
يتكلم رحيمو طوال الوقت واقفاً. سيجارته بين أصابعه لا يدخنها. جهاز القوة ينذر بقرب الانتهاء. يقول لي: «بالرغم من مخالطتي لذلك المجتمع الثقافي الرفيع، كنت فقيراً وأحصل على ثمن أدوات الرسم من خلال عملي في المطاعم ومحلات الحلويات. وعلى مدى ثلاثة أشهر كنت أنام في المطعم بشكل سري حتى لا يكتشفني صاحبه».
أعود به إلى دفتر الصف السابع الذي كان يرسم عليه وظائف مادة الرسم. «بين ذلك الدفتر وهذا المرسم خمسون عاماً، من عامودا البلدة الصغيرة المهمشة إلى بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي… كيف يقم رحيمو مسيرته الفنية؟».
يجيب بابتسامة رضا: «كل شيء انطلق من تلك اللحظة التي رافقني فيها الأستاذ محمد خير نبعوني إلى محل القرطاسية واشترى لي ما يلزم للكتابة والرسم. لذلك أنا أشكره مع افتتاح كل معرض لي أو حصولي على جائزة أو أي تقدير. كان معلمي وما زال معلمي بالرغم من أنه لا يرسم».
رحلة الهروب إلى الحرية
اضطر رحيمو مثل كثيرين لمغادرة البلاد هرباً من الملاحقة السياسية وبحثاً عن فسحة الحرية ومجال أوسع لممارسة الفن. ذهب في البداية إلى تركيا ومنها إلى بلغاريا ورومانيا وصولاً إلى روسيا عام 1993 في رحلة استغرقت – كما يقول – ستة أشهر من الصعوبات ودفع رشاوي لحرس حدود بعض الدول الخارجة لتوها من المعسكر الشيوعي. في روسيا التي وصل إليها من أوكرانيا، أتيحت له فرصة لزيارة متحف الأرميتاج في بطرسبورغ والذي كان حلماً من أحلامه. هناك رأى ولأول مرة لوحات رامبراندت التي يحبها كثيراً. بحثت عيناه عن «فينوس النائمة» فأخبره دليل المتحف أن اللوحة تعرضت لتشويه فتى روسي غاضب وأنها تحت الترميم. من بطرسبورغ إلى موسكو واصل رحيمو رحلته الأوديسية. هناك رسم بورتريهات وموتيفات كثيرة لمجلة كوردية كان يصدرها الشاعر الكوردي أحمد حسيني في السويد مع الدكتور سعد الدين ملا ويحيى يوسف. صار يرسلها بالبريد من شقته الصغيرة في موسكو. «كنت شبه محاصر ومنعزلاً في شقة صغيرة وسط الثلوج بموسكو لا عمل لي سوى رسم الموتيفات» يقول مستذكراً ذلك الفصل من رحلته الطويلة.
«من موسكو أردت التوجه إلى هولندا لما لها من سمعة كبيرة في مجال الرسم. كانت رغبتي الأصلية الوصول إلى باريس وإكمال دراسة الفن في السوربون وزيارة اللوفر إلى آخر هذه الأحلام». يقول رحيمو. يتوقف ليحتسي رشفة من قهوته. يدخن قليلاً ويواصل:
«أقنعني أحمد حسيني بعدم الذهاب إلى فرنسا. سافرت من موسكو بطائرة حربية روسية وبجواز سفر شيشاني متوجهاً إلى بوتسدام الألمانية التي كانت فيها قاعدة روسية من زمن الاتحاد السوفييتي. في المطار العسكري دفعنا رشوة كبيرة للمسؤولين. وتمكننا أخيراً من الصعود إلى متن الطائرة التي كان يستقلها عائلات الضباط الروس. يسرد الفنان الستيني تفاصيل كثيرة. ينهل من ذاكرته القوية ويتوه أحياناً عن السؤال فأقاطعه. أود أن يحدثني عن حاضره فأراه مشدوداً إلى الذاكرة. وبين الحاضر والماضي تقف لوحات كثيرة تخبرنا أيضاً عن حكاياتها.
يصل رحيمو بعد رحلته الأوديسية أخيراً إلى ألمانيا. لكنه لا يبقى فيها طويلاً بل يغادرها إلى بلجيكا ليستقر فيها إلى الآن.
أعمال الكورد: مهرجانات لونية
أعود به إلى الفن. إلى الألوان التي تزخر بها لوحات الرسامين الكورد، زهير حسيب، مالفا، بشار العيسى، عنايت عطار وغيرهم من رسامي الكورد في سوريا. أسأله ما سر هذه الألوان المزدحمة على الرغم من «الفقر اللوني» الذي تعانيه المنطقة نفسها؟
يجيبني بعد أن يرتاح قليلاً: «لوحات البلاد الدافئة تعج بالألوان. هذا يعود إلى تأثير الشمس وانعكاسها على الأشياء. على سنابل القمح، التلال، السماء. ألوان لوحاتنا مستوحاة من التباين اللوني في سماء طوروس. ذلك المزيج اللوني الذي يجمع الرمادي بالأصفر والذي يصبغ الأفق استوحيته من الطبيعة عندنا. عندنا ثراء لوني كبير ليس موجوداً عند الأوروبيين. فألوان المخدات والبسط والثياب والستائر والتي يغلب عليها الأحمر وجدت طريقها إلى لوحاتنا. الفنانون الأوروبيون متأثرون بألوان طبيعتهم حيث الضباب والمطر والسماء الرمادية. تراب منطقتنا أيضاً يعج بالألوان التي تتدرج من الأحمر إلى البنفسجي فالأخضر فالأصفر وغيرها. الوسائد التي كانت تضعها أمهاتنا بعضها فوق بعض كانت عبارة عن لوحات فنية زاخرة باللون.
نحن بلاد اللون. وهذا ما ليس متوفراً لدى الأوروبيين. ولأجل هذا كان فان غوغ يذهب إلى جنوب فرنسا. لم تكن هولندا تشبع نهمه إلى اللون. الآفاق عندنا بعيدة وشاسعة وملونة خاصة حين تغيب الشمس».
هذا ما يقوله رحيمو بحماس مدافعاً عن أطروحته في أن الشمس في بلادنا هي التي تشكل مهرجاناتنا اللونية الجميلة. أسأله عن رأيه بمصطلح الفن الكوردي؟ هل هناك رسم ذو بصمة كوردية؟ فيجيب: «نستطيع أن نقول إن هناك لوحة كوردية بمضامينها ورموزها وشخوصها وملامحهم. لكن الفنون البصرية، وخاصة الرسم، لغة كونية». أقاطعه بسؤالي: ما هي خصائص اللوحة الكوردية؟ فيقول: «المواضيع كوردية، البيئة كوردية، الوجوه، الرموز، وهذه الأمور كلها تشير إلى أن فناناً كوردياً يقف وراء كل ذلك».
لوحات مبعثرة هنا وهناك
أخبرني رحيمو قبل بدء الحوار أن لوحاته موزعة بين مرسمه وبيوت مقتني الفن وبين مطعمين في بروكسل. ننهي حوارنا في المرسم ونستعد للذهاب إلى مطعم قريب أودع فيه الفنان قسماً من لوحاته لنكمل ما تبقى من الحوار. هناك بعض اللوحات معلقة على جدران المطعم. وبعضها مركونة إلى سقيفة تعلو المطعم. لوحات جميلة أنيقة كثيرة مع إطاراتها أو بدون إطارات. يحدثني رحيمو بحسرة عن ضيق المكان وأنه اضطر لوضع لوحاته في أماكن متفرقة بسبب ذلك. «هناك مطعم آخر سنذهب إليه، وضعت فيه أهم لوحاتي». يقول بينما أتأمل لوحة رائعة كان يجب أن تزين جدار متحف ما في كوردستان.
نصل إلى المطعم الجديد الذي يديره رجل سرياني في منتصف العمر يكتب الشعر. مطعم أنيق، ديكوراته شرقية بديعة. يشير رحيمو إلى الجدران والسقف: «أنا صممت الديكور هنا». أعرف أن رحيمو مصمم ديكور إلى جانب حرفة الرسم الأهم والأساسية بالنسبة له. أعرف أنه كان يصمم ديكورات أستوديوهات القناة الكوردية في بروكسل منذ تأسيسها عام 1995. حدثني أنه تعلم تصميم الديكور في دمشق أيام كان طالباً في كلية الفنون الجميلة.
يبدو صاحب المطعم الشاعر فخوراً بعمل صديقه الرسام. يأتينا بشراب لبناني فاخر. اللوحات بين صغيرة وكبيرة وجدت أماكنها المناسبة على الجدران. الزبائن مستمتعون بالحديث أثناء تناول الطعام وربما من دون أن يعرفوا أن مبدع اللوحات التي تعلوهم موجود بينهم. أتأمل اللوحات البديعة والديكور الأنيق ريثما يأتينا النادل بالعشاء. نواصل حديثنا ونحن نحتسي الشراب الذي تنعكس عليه أضواء المطعم كما تنعكس الأضواء على الوجوه الجميلة في لوحات رحيمو. أشاهد انعكاس إشراقات روحية على وجه الفنان الذي عنده الكثير ليرويه لنا عن أحلامه ومشاريعه الفنية.
نعم، هناك الكثير في جعبة هذا الرسام المبدع، وليس في جعبتي من الوقت إلا القليل القليل.
أضع آلة التصوير جانباً وأعيد كل كلمة سمعتها منه في مخيلتي. أطمئن إلى أنني أعددت مادة تليق بفنه وإبداعه. ينتهي الحوار ولا ينتهي إبداع هذا الرسام الكبير.