روماف – مقالات
محتويات
روماف – مقالاتتقدّمتُ، يوما، بطلب يد رجل أحبه. كنا معا في مكان جميل، هدوء وأشجار، نتناول طعام العشاء على أنغام موسيقى رومانسية، في جو شبيه بجو الأفلام الأجنبية العاطفية الخفيفة، كنت غارقةً في تفاصيل الحالة واللحظة، وأشعر أنني متدفقة بالحب نحو ذلك الرجل، فكان تعبيري عن ذلك أنني طلبت يده صراحة ووضوحا: “هل تتزوجني؟” قلت له من دون تردّد، وطبعا، كما هو واضح الآن، إن هذا لم يحدث، لم يرفض بشكل صريح، لكنه لم يوافق أيضا. تخلص من إحراج الطلب بطرفةٍ سخيفة أو بذريعةٍ ما. لم أعد أتذكر تماما. لكنه لحسن الحظ لم يقبل، وكان من اللطف أنه لم يجعلني أشعر وقتها أنني أرتكب فعلا ناشزا، لكن ما حدث أنني أنا التي شعرت لاحقا بهول ما فعلت. قضيت مدة بعدها، وأنا أعيش مع ثقل ما فعلته، كما لو أنني ارتكبتُ إثما كبيرا، كما لو أنني ابتذلت وامتهنت نفسي، مع أنني حين هدأت وفكّرت بما حصل، لم أجد فيه ما يشين. فكّرت بالأمر بالظرف واللحظة المحيطة به، ثم تجاوزته طبعا وسخرت منه. وسخرت مما فعلته بنفسي لاحقا، وشكرت ذلك الرجل أنه لم يتورّط ويورّطني بالموافقة على الأمر، فأنا لا أرغب في إعادة تجربة الزواج. جربتها مرّة، وأعلم أنني لا أنفع لأكون شريكة في مؤسسة بالغة التعقيد كمؤسسة الزواج.قبل أيام، كنت أشاهد على شبكة نتفليكس فيلما كوميديا رومانسيا خفيفا، عن شابة جميلة ترتبط بقصة حب مع شاب يعمل جراح قلب منذ أربع سنوات. ومع كل مناسبة، كانت تنتظر أن يتقدّم لها بطلب الزواج، لكن هذا لم يحصل، ويصادف أنه يذهب في رحلة علمية إلى إيرلندا، في شهر فبراير/ شباط. وتتذكر هي أن ثمّة عادة في إيرلندا في يوم 29 فبراير، الذي يصادف كل أربع سنوات، أن الفتاة تتقدم بطلب الزواج من الشاب الذي تحبّه، وتشتري هي خاتم الزواج، وتقدّمه له مع عرض الزواج، فتقرّر أن تلتحق بحبيبها لتفعل هذا يوم 29 فبراير. تجري أحداث الفيلم طبعا كالعادة لتصادف في طريقها ما يعيق وصولها في الوقت المناسب، وتتعرّف على شاب يساعدها على ذلك، وتقع في غرامه. وحين تخبر هذا الشاب بسبب رحلتها إلى إيرلندا، يقول لها ساخرا وحاسما: “هذا لا ينفع، لو كان يريد الزواج بك لفعل هو ذلك”.تذكّرت حادثتي تلك، وأنا أشاهد الفيلم، طلب الزواج في كل العالم يقوم به الرجل. الاستثناءات قليلة، تحدُث طبعا لكنها تحدُث في السر. لا يتم تسليط الضوء عليها حتى في الفن، وهو أمرٌ مستغربٌ فعلا. ولعل أشهر طلب زواج، في التاريخ المدون، تقدّمت به سيدة نحو رجل، هو ما فعلته السيدة خديجة مع النبي محمد، حين طلبته هي للزواج، قبل نزول الوحي والدعوة.لماذا يعتبر سيئا أن تتقدّم امرأة بطلب الزواج من رجل؟ في العصر الأمومي، كان الأمر يتم على النحو التالي: تختار المرأة من تريد معاشرتهم من الرجال علنا، وتُنجب منهم أطفالا وينتسبون لها. في ذلك العصر كانت المرأة/ الأم هي من تقوم بكل شيء، حتى الصيد. كانت هي الحامل الاقتصادي للمجتمع الذي تعيش فيه، ذلك قبل عصر التوحيد، قبل أن يتحول الزمن إلى عصر الذكورة بكامله، قبل أن يصبح الرجل المسؤول عن تأمين معيشة مجتمعه. إذا لطالما كان الأمر مرتبطا بالاقتصاد/ السلطة. من يملك السلطة مباحٌ له فعل ما يشاء إجتماعيا، من يخضع للسلطة عليه الخضوع لما تسنه من قوانين، وهو ما كرّسته لاحقا الأديان السماوية الثلاثة، التي عزّزت ذكورية المجتمع وعززت سلطة الرجل، وبنت مجموعة من (القيم) الاجتماعية، لا يحق للنساء الخروج عنها، حتى بعد أن تم تحييد سلطة الكنيسة في المجتمعات الأوروبية، ظلت تلك القيم سائدةً في التعامل الإجتماعي، القيم الذكورية السلطوية التي تجعل المرأة دائما في النسق الثاني من المجتمع، على الرغم من النضال النسوي المديد للتخلص من هذه السلطة. وعلى الرغم من المكاسب التي تحققت، والشراكة الكاملة في الإقتصادين، المنزلي والمجتمعي، دخول المرأة سوق العمل منذ زمن طويل، لا يسمح للمرأة أن تعود إلى العصر الذي تطلب فيه علنا الاقتران برجلٍ ما، إلا في الطبقات المحمية بسلطتها المالية، حيث ثمّة غطاء لسلوك أفراد تلك الطبقات، يحميها من التعرّض للتنمر الاجتماعي الذي تتعرّض له نساء الطبقات الأدنى، فيما لو تجرّأن على الخروج عن (القيم) المكرسة، القيم التي قضت بالكامل على كل ما يمتّ للعصر الأمومي الجميل بصلة.
تقدّمتُ، يوما، بطلب يد رجل أحبه. كنا معا في مكان جميل، هدوء وأشجار، نتناول طعام العشاء على أنغام موسيقى رومانسية، في جو شبيه بجو الأفلام الأجنبية العاطفية الخفيفة، كنت غارقةً في تفاصيل الحالة واللحظة، وأشعر أنني متدفقة بالحب نحو ذلك الرجل، فكان تعبيري عن ذلك أنني طلبت يده صراحة ووضوحا: “هل تتزوجني؟” قلت له من دون تردّد، وطبعا، كما هو واضح الآن، إن هذا لم يحدث، لم يرفض بشكل صريح، لكنه لم يوافق أيضا. تخلص من إحراج الطلب بطرفةٍ سخيفة أو بذريعةٍ ما. لم أعد أتذكر تماما. لكنه لحسن الحظ لم يقبل، وكان من اللطف أنه لم يجعلني أشعر وقتها أنني أرتكب فعلا ناشزا، لكن ما حدث أنني أنا التي شعرت لاحقا بهول ما فعلت. قضيت مدة بعدها، وأنا أعيش مع ثقل ما فعلته، كما لو أنني ارتكبتُ إثما كبيرا، كما لو أنني ابتذلت وامتهنت نفسي، مع أنني حين هدأت وفكّرت بما حصل، لم أجد فيه ما يشين. فكّرت بالأمر بالظرف واللحظة المحيطة به، ثم تجاوزته طبعا وسخرت منه. وسخرت مما فعلته بنفسي لاحقا، وشكرت ذلك الرجل أنه لم يتورّط ويورّطني بالموافقة على الأمر، فأنا لا أرغب في إعادة تجربة الزواج. جربتها مرّة، وأعلم أنني لا أنفع لأكون شريكة في مؤسسة بالغة التعقيد كمؤسسة الزواج.
قبل أيام، كنت أشاهد على شبكة نتفليكس فيلما كوميديا رومانسيا خفيفا، عن شابة جميلة ترتبط بقصة حب مع شاب يعمل جراح قلب منذ أربع سنوات. ومع كل مناسبة، كانت تنتظر أن يتقدّم لها بطلب الزواج، لكن هذا لم يحصل، ويصادف أنه يذهب في رحلة علمية إلى إيرلندا، في شهر فبراير/ شباط. وتتذكر هي أن ثمّة عادة في إيرلندا في يوم 29 فبراير، الذي يصادف كل أربع سنوات، أن الفتاة تتقدم بطلب الزواج من الشاب الذي تحبّه، وتشتري هي خاتم الزواج، وتقدّمه له مع عرض الزواج، فتقرّر أن تلتحق بحبيبها لتفعل هذا يوم 29 فبراير. تجري أحداث الفيلم طبعا كالعادة لتصادف في طريقها ما يعيق وصولها في الوقت المناسب، وتتعرّف على شاب يساعدها على ذلك، وتقع في غرامه. وحين تخبر هذا الشاب بسبب رحلتها إلى إيرلندا، يقول لها ساخرا وحاسما: “هذا لا ينفع، لو كان يريد الزواج بك لفعل هو ذلك”.
تذكّرت حادثتي تلك، وأنا أشاهد الفيلم، طلب الزواج في كل العالم يقوم به الرجل. الاستثناءات قليلة، تحدُث طبعا لكنها تحدُث في السر. لا يتم تسليط الضوء عليها حتى في الفن، وهو أمرٌ مستغربٌ فعلا. ولعل أشهر طلب زواج، في التاريخ المدون، تقدّمت به سيدة نحو رجل، هو ما فعلته السيدة خديجة مع النبي محمد، حين طلبته هي للزواج، قبل نزول الوحي والدعوة.
لماذا يعتبر سيئا أن تتقدّم امرأة بطلب الزواج من رجل؟ في العصر الأمومي، كان الأمر يتم على النحو التالي: تختار المرأة من تريد معاشرتهم من الرجال علنا، وتُنجب منهم أطفالا وينتسبون لها. في ذلك العصر كانت المرأة/ الأم هي من تقوم بكل شيء، حتى الصيد. كانت هي الحامل الاقتصادي للمجتمع الذي تعيش فيه، ذلك قبل عصر التوحيد، قبل أن يتحول الزمن إلى عصر الذكورة بكامله، قبل أن يصبح الرجل المسؤول عن تأمين معيشة مجتمعه. إذا لطالما كان الأمر مرتبطا بالاقتصاد/ السلطة. من يملك السلطة مباحٌ له فعل ما يشاء إجتماعيا، من يخضع للسلطة عليه الخضوع لما تسنه من قوانين، وهو ما كرّسته لاحقا الأديان السماوية الثلاثة، التي عزّزت ذكورية المجتمع وعززت سلطة الرجل، وبنت مجموعة من (القيم) الاجتماعية، لا يحق للنساء الخروج عنها، حتى بعد أن تم تحييد سلطة الكنيسة في المجتمعات الأوروبية، ظلت تلك القيم سائدةً في التعامل الإجتماعي، القيم الذكورية السلطوية التي تجعل المرأة دائما في النسق الثاني من المجتمع، على الرغم من النضال النسوي المديد للتخلص من هذه السلطة. وعلى الرغم من المكاسب التي تحققت، والشراكة الكاملة في الإقتصادين، المنزلي والمجتمعي، دخول المرأة سوق العمل منذ زمن طويل، لا يسمح للمرأة أن تعود إلى العصر الذي تطلب فيه علنا الاقتران برجلٍ ما، إلا في الطبقات المحمية بسلطتها المالية، حيث ثمّة غطاء لسلوك أفراد تلك الطبقات، يحميها من التعرّض للتنمر الاجتماعي الذي تتعرّض له نساء الطبقات الأدنى، فيما لو تجرّأن على الخروج عن (القيم) المكرسة، القيم التي قضت بالكامل على كل ما يمتّ للعصر الأمومي الجميل بصلة.
رشا عمران
شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.