تحالف الغزاة وتشتت اهل الدار

أن دول الإحتلال كما نعلم أقيمت على إحتلال أراضي كردستان وقامت فيما بعد على نشر ثقافة العداء والكراهية ومحاربة الوجود الكردي، مما يؤكد الطابع الشوفيني و(العنصري) البغيض لقادة تلك الدول تجاه الكرد…

عبد العزيز قاسم
عبد العزيز قاسم عبد العزيز قاسم 80 Views

روماف – رأي

برعاية روسية قبل نهاية العام بأيام، في التاسع والعشرين من كانون الأول للعام 2022، عقد لقاء (روسي- تركي- سوري) في موسكو جمع بين وزيري دفاع كل من: تركيا وسوريا وبمشاركة وزير الدفاع الروسي وحضرهُ رؤساء أجهزة استخبارات كل من الدول الثلاث آنفة الذكر، فاللقاء كان متوقعاً ولا يدعو للاستغراب او للدهشة، وخاصة في ظل التطورات والأحداث الجارية والتي تعصف بالعالم والشرق الأوسط، فالهاجس التركي من اي تطور سياسي في سوريا وبشكل خاص على صعيد مستقبل المنطقة الكردية في سوريا، هوالمحرك لمثل تلك اللقاءات… لقد سبق وأكدت في العديد من مقالاتي حول مخاطر عودة الدفء في العلاقات بين الدول المحتلة لكردستان وبخاصة بعد الاجتماع الثلاثي في طهران في الثامن عشر من يوليو/ تموز من العام 2022 ، بين قادة كل من روسيا و تركيا و ايران. وما اللقاء التركي – السوري الراهن في إطار اجتماع طهران إلا كحلقة أولى من سلسلة حلقات طويلة سنشهدها في الأيام القادمة، بالرغم من الغياب ( الفيزيائي) – غير المعلن – لإيران في إجتماع موسكو الأخير، لكنها كانت حاضرة بالمعنى السياسي والاستخباراتي!

إن هذا التحالف الجديد – القديم بين روسيا والدول الثلاث المحتلة لكردستان ومن قبله مسار ما عرف ب ( آستانا)، لا يمت بصلة او بغاية لإيجاد حل للأزمة السورية، او حلا لقضية لاجئين كما يشاع! وهي ليست فقط ضد (الإدارة الذاتية)، بل هي للقضاء على الوجود القومي الكردي ولإتمام عملية التغيير الديموغرافي الجارية في المنطقة الكردية بأكملها وكذلك لتطويق إقليم كردستان العراق. ويجدر ذكره انه وحسب بعض التسريبات لم يتطرق إلى حزب العمال الكردستاني لا من قريب ولا من بعيد، في اللقاء المذكور آنف الذكر، ولاسيما فالحزب يعلن جهارأ وعلى الملأ معاداته لإقامة دولة كردية أو حتى كيان كردي على اساس قومي.

أن دول الإحتلال كما نعلم أقيمت على إحتلال أراضي كردستان وقامت فيما بعد على نشر ثقافة العداء والكراهية ومحاربة الوجود الكردي، مما يؤكد الطابع الشوفيني و(العنصري) البغيض لقادة تلك الدول تجاه الكرد… 

ومن المنطق ولكونهم غاصبين لشئ مشترك ان تتحد قواهم وتتكاتف ضد صاحب الحق.! حتى من دون تحالفات او لقاءات او اجتماعات ثلاثية او رباعية او بوساطة دولية كإتفاقية الجزائر الخيانية وغيرها …

وهم مستعدون لطرق كل الابواب مهما عصيت ما دامت تخدم طمس حقوق الكرد وإنكارها… 

واليوم، قد نشهد إنضمام جماعات مرتبطة بحركة الإخوان المسلمين في العالم العربي والاسلامي والحشد الشعبي والمرتزقة السوريين وغيرهم وبشل علني ودون خجل ولعلّ متابع للوضع يسأل ما مغزى معاداة تنظيمات مثل حزب الله اللبناني او حركة حماس للكرد؟!  نعم انه العداء السافر للكرد ودون وجه حق، وهي ( النازية) بعينها.!!

إنها النازية تسري في عروق هؤلاء!

هؤلاء الذين يقومون بنشر ثقافة العداء والكراهية انما يجمعهم حلف مقدس ما دامت هي ضد الكرد ويستوجب الإلتفاف حوله. نعم هو نهج الٱستبداد، فالحل الديمقراطي للقضية الكردية في كل دولة من دول التقاسم، انما هي نهاية لحكم الطغيان والاستبداد، و هكذا وبتطور أدوات الحروب وعقب الحرب الباردة وفيما بعد نتيجة عدم اعتراف دول العالم بحق الشعب الكردي في تقرير مصيره، تفاقمت وتعقدت القضية الكردية بتشابك المصالح الدولية… 

و هذا ما اعطت زخما للأنظمة المحتلة لكردستان ان تتعاظم قوة ونفوذاً، و مما عقدت من إيجاد حل للقضية الكردية وبالاخص في سوريا بعد الاحتلال التركي لعدة مناطق كردية، وحسب ما أرى ورغم وجود عوامل موضوعية وذاتية أخرى تعود للتشرذم وانقسام البيت الكرديين إلا أن دخول (الاتحاد الروسي الفدرالي) على الخط وتكالبها ضد الشعب الكردي خصوصاً ودخولها في مواقف مخزية مع أنظمة الاستبداد في المحيط السوري، كشف القناع عن وجه (روسيا القبيح) في معاداة الشعوب… و هاهو الغزو الروسي لأوكرانيا مثال اخر على ذلك!

فروسيا وبما لديها من ثقل في مجلس الامن الدولي يمكنها تمرير او وقف القرارارت الدولية وحسب مصالحها، وما دعوة بعض الدول الاوربية المتكررة لاصلاح آليات التصويت وحق النقض (الفيتو) إلا خطوة صحيحة لحل مشاكل عالمية مستعصية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، وهي خطوة (كفيلة) بكف يد روسيا والصين في التلاعب بمصير الشعوب! 

وانما أسهبت الدور الروسي في المقال توضيحاً لما له من خطورة عما يجري في الداخل السوري من مؤامرات تركية-ايرانية مشبوهة و بحماية روسية تستهدف الشعب السوري عموماً والكردي خصوصاً، وما اجتماعات ( آستانآ) المشؤومة او حتى اجتماع (طهران) والدور الروسي القذر في تبني تلك اللقاءات وعقدها و تأطيرها وشرعنتها دولياً إلا إنجرار للمنطقة نحو سلسلة أخرى من ويلات وحروب أخرى وبالوكالة على الساحة السورية .

ورغم تلك المؤامرات، لكن وكما يبدو لي هناك بارقة امل وهاجس يؤرق مضاجع الساسة في كل من تركيا و ايران و غيرهما ألا وهي اندلاع الثورة الشعبية المباركة في (كردستان ايران) على وجه الخصوص وايران عموماً فهذه الثورة ورغم تجاهل الغرب غير المبرر لها وتخوفها من الولوج في الداخل الايراني، ربما خوف مبرر لا يمكن السيطرة على عواقبها او مخارجها فيما لو نجحت تلك الثورة وازاحت الدكتاتورية في ايران كما حدثت قبل اكثر من اربعين سنة مضت، وهذا ربما ليس في صالح و حسابات الغرب المتخوف!

لقد شكلت هذه الثورة الراهنة وكما ارى تهديدا كبيرا لخطط ومشاريع الدول المحتلة لكردستان واربكت حساباتهم فهي ثورة قد تخطت حدودها الجغرافية وتتجه لأن تصبح ثورة عالمية فهي تختلف كلياً عن كل تلك الثورات والانتفاضات السابقة في ايران او حتى ما يسمى ب (الربيع العربي) وغيرها.

و لو قدرت لها النجاح ستغير خرائط المنطقة المصطنعة وستدك حصون الاستبداد والطغاة وستكون ليس بأقل شأناً من الثورة الفرنسية! و لهذا فمن الضروري ان تسعى جاهدة الاحزاب والمؤسسات الكردية في كردستان والشتات اليوم، على تقديم الدعم المادي والمعنوي لهذه الثورة المسماة بثورة (ژینا اميني) كضرورة تاريخية لانها فرصة ذهبية لنيل المكاسب والآمال و المطامح… 

و كما يبدو لي وبالنظر الى اللقاء التركي-السوري والروسي ومخرجاته فأن المستهدف المباشر في سوريا هو الشعب الكردي في (رۆژئاڤی كردستان) وبخاصة فيما لو تم إحياء (اتفاقية اضنة) بين كل من النظامين السوري والتركي والتي ستشكل كارثة حقيقية على الوجود الكردي برمته، ومن اللازم والموضوعي أن مسألة وحدة الصف الكردي على أساس قومي غير قابلة للتأجيل او المماطلة او التسويف، فباتت من الضرورات القومية والتاريخية للدفاع عن حقوق الشعب الكردي وحماية وجوده.

ويتضح اكثر من خلال العمل على اشراك جميع القوى الكردية في إدارة المنطقة والاستفادة من التواجد الأمريكي والدعم الدولي وبخاصة (الفرنسي) ونبذ الخلافات الجانبية الشخصية والمصالح الأنانية الضيقة والتسامي فوقها والتطلع بمسؤولية ووعي عما يجري في الكواليس والتي تستهدف الوجود الكردي بالأساس وحتى لا يقول التاريخ كلمته وكالعادة : (ان الكل عدو للحجل والحجل عدو لنفسه)!

ولضرورات المصلحة القومية لابدّ من مشاركة جميع الأحزاب الكردية وخاصة مشاركة المجلس الوطني الكردي وقوات (بيشمركة روز) مع (قوات قسد) لبناء قوة عسكرية كردية موّحدة، تقف في وجه ما يحاك اليوم من مؤامرت تستهدف الكرد وجباله وحتى حجره! فالتاريخ لا يرحم، وما أُخُذَ بالقوة لا يسّترد الا بالقوة. 

لقد حان اليوم وقفة توحيدية جادة تسمو فوق ثقافة (الأنا) ويمكنها من امتصاص ارتدادات اجتماعات (آستانا) ومشتقاتها وعلى الأحزاب الكردية الاستفادة من الوقت الضائع للفرصة التاريخية الذهبية والتي لا تزال مستمرة منذ أكثر من عقد من الزمن على الساحة السورية، هي فرصة لإثبات الذات ونيل الحقوق وختاماً وكما يبدو لي: كفانا كفرسان هواء نحارب طواحين هواء او ديوك تتصارع على مزابل أو بيادق أو بنادق تحت الطلب! وكما أسلفت فالفرص التاريخية لا تأتي كل مرة، قد تستغرق ربما مئات السنين وهاهي على الأبواب السورية وحتى تنكسر تحالفات الغزاة اليوم فلا بد من السعي لإقتناص تلك الفرصة التاريخية بوحدة الصف والكلمة ودون الخوض في غمار التفاهات والصغائر وإلا فإن الدار المشتتة ستتشتت أكثر وتحالف الغزاة سيقتحم الديار.

شارك المقال
كاتب ولغوي كردي سوري ترجمة ومحاضرات في اللغة الكردية، يكتب باللغتين العربية والكردية في الشأن السياسي والثقافي الكردي- ولد في مدينة ديرك (المعربة الى المالكية) 01-05-1967م، خريج معهد بترول ، نشر معظم مقالاته من سنة 1995 ولغاية 2013 بأَسماءٌ مستعارة و فيما بعد باسمه الحقيقي، مقيم حاليا في ألمانيا.